والثانية: أن يؤول إلى أن يصير من قلة إصابته ناضلاً ومن كثرة إصابته منضولاً، فإن تقاسما عقدهما، ثم قال أحدهما لصاحبه أو لغيره: ارم بسهمك هذا، فإن أصبت به، فلك درهم، جاز واستحق الدرهم، إن أصاب، ولجوازه علتان: إحداهما أنه قد أجابه إلى ما سأل، فالتزم له ما بذل، وهذا قول ابن أبي هريرة:
والثاني: أنه تحريض في طاعة فلزم البذل عليها كالمناضلة.
قال أبو إسحاق المروزي: وهذا بذل مال على عمل، وليس بنضال؛ لأن النضال لا يكون إلا بين اثنين، فأكثر.
فصل:
فإذا تناضل رجلان على إصابة عشرة من عشرين بعشرة دراهم فحضر ثالث فقال المخرج المال: أنا شريكك في الغنم والغرم، فإن نضلت فلي نصف العشرة وإن نضلك فعلى نصف العشرة كان باطلاً، وهكذا لو قال لكل واحد منهما: أنا شريكك في الغنم والفرم فهو باطل لعلتين:
إحداهما: أنه لم يدخل في عقدهما، فلم يجز أن يصير شريكاً لهما.
والثاني: أنه يصير آخذاً بغير عمل ومعطياً من غير بذل.
مسألة:
قال الشافعي: "وإن قال: ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه".
قال في الحاوي: اختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة على وجهين:
أحدهما: أن المزني حذف منها ما قد ذكره الشافعي في كتاب "الأم" فقال فيه: ولو قال له: ناضل نفسك، وارم عشرة أرشاق، فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه، فحذف المزني قوله: "ناضل نفسك" وأورد باقي كلامه وحكمه على هذه الصورة باطل باتفاق أصحابنا.
واختلفوا في تعليله، فقال أبو إسحاق المروزي: وهو الظاهر من تعليل الشافعي أنه جعله مناضلاً لنفسه، والنضال لا يكون إلا بين اثنين، فإن كثر، فاستحال نضال نفسه فبطل.
وقال آخرون: بل علة بطلانه أنه فاضل على خطئه بصوابه بقوله: إن كان صوابك أكثر من خطئك، والخطأة لا يناضل عليه، ولا به.
والثاني: أن المسألة مصورة على ما أورده المزني ها هنا، ولم يذكر فيه نضال نفسه، وقال له: ارم عشرة أرشاق، فعلى هذا يكون في صحته وجهان من اختلاف العلتين: