للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبطل، وليس كذلك إذا كان غائباً كله.

والثاني: أن بيع العين الغائبة إنما أجيز على خيار الرؤية، للضرورة الداعية عند تعذر الرؤية، لينفع النفع العاجل للبائع بتعجيل الثمن، وللمشتري بالاسترخاص وليس كذلك في العين الحاضرة؛ لأن الضرورة ليست داعية إليه ولا الرؤية متعذرة منه.

فصل

فإذا تقرر أن بيع العين الغائبة إذا وصفت على قولين: فإن قيل: إن بيعها غير جائز فلا تفريع عليه. وإن قيل: إن بيعها جائز إذا وصفت، فلا يخلو حال البائع الواصف لها من أحد أمرين: إما أن يكون قد وصفها عن مشاهدة، أو عن صفة فإن كان قد وصفها عن مشاهدة، جاز. وإن كان قد وصفها عن صفة؛ لأنه كان قد وكل في ابتياعها وكيلاً، ووصفها الوكيل له بعد الابتياع من غير مشاهدة، ثم وصفها البائع عن صفة الوكيل، ففي جواز ذلك وجهان:

أحدهما: أنه جائز؛ لأنه لما جاز أن يشتري المشتري بالصفة من غير رؤية؛ جاز أن يبيع البائع بالصفة من غير رؤية.

الثاني: أنه لا يجوز، وبه قال ابن أبي هريرة لأمرين: أحدهما: أن المبيع إذا لم يره البائع والمشتري، كان أكثر غرراً، وإذا لم يره المشتري وحده، كان أقل غرراً، والغرر إذا قل في العقد عفي عنه، وإذا كثر لم يعف عنه.

والثاني: أن البائع إذا وصفها من غير رؤية، صار بائعاً لها بصفة عن صفة. وذلك غير جائز كالأعمى في بيوع الأعيان لا يصح منه؛ لأنه يبيعها بصفة عن صفة. فعلى هذين التعليلين لو كان المشتري قد رأى المبيع ولم يره البائع لكن وصفه له، فعلى الأول يجوز لقلة الغرر برؤية أحدهما، وعلى التعليل الثاني لا يجوز، لأنه يصير بائعاً بصفة عن صفة.

فصل

فأما كيفية الصفة: فلا بد من ذكر الجنس والنوع.

فالجنس أن يقول: عبد أو ثوب. والنوع أن يقول في الثوب: إنه قطن أو كتان، وفي العبد أن يقول: رومي أو زنجي، ليصير المبيع معلوم الجملة عند المشتري وهل يحتاج مع ذكر الجنس والنوع إلى ذكر الصفة أم لا؟ على وجهين:

أحدهما: لا يحتاج إلى ذكر الصفة، ويجوز أن يقتصر على ذكر الجنس والنوع؛ لأنه مبيع لم يتعلق بالذمة، فلم يحتج إلى صفة كسائر الأعيان.

الثاني: لا بد من ذكر الصفة، لأنه مبيع غائب، فافتقر إلى ذكر الصفة كالمسلم فيه. فعلى هذا إذا قيل: إن الصفة شرط في صحة العقد، فهل يصح أن يصفه بأقل صفاته أو لا يصح إلا بذكر أكثر صفاته؟ فيه وجهان:

أحدهما: أنه يصح أن يصفه بأقل صفاته، لأنه قد يخرج بذلك عن الجهالة. فعلى هذا يذكر في العبد الرومي بصفة أنه خماسي أو سداسي، وفي الثوب القطن أنه مروي أو هروي.

الثاني: أنه لا يصح حتى يصفه بأكثر صفاته؛ ليتميز بكثرة الصفات عن غيره من

<<  <  ج: ص:  >  >>