فقد أنكر عليه قوم، وقالوا: إحبالها قبل التفرق مستحيل. وعنه جوابان:
أحدهما: أنه على التقديم والتأخير، وتقدير الكلام: ولو عجل المشتري فوطئها قبل التفرق في غفلة من البائع في حبلها، وهذا مستقيم، فقدم لفظ الإحبال، وإن كان في المعنى مؤخراً.
والثاني: أن الكلام على حاله لا تقديم فيه ولا تأخير، ومعناه مستقيم؛ لأن الإحبال يقع قبل التفرق؛ لأنه حادث عن الوطء، وإنما يتأخر ظهوره، وليس تأخر ظهوره بمانع من حصوله. وأما قوله: في غفلة من البائع: ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه شرط في بقاء الخيار للبائع، ولو رآه البائع يطأ كان رضاً منه لإمضاء البيع وقطعاً لخياره. وهذا قول أبي العباس بن سريج، لأن البائع يستحق بخياره منع المشتري من التصرف، فإذا رآه يتصرف، فأمسك عن منعه، كان راضياً به، فبطل خياره.
والثاني: أنه قال ذلك لتحقيق صورة المسألة، إذ بعيد في العادة أن يطأ الناس بحضرة الناس، فأحب أن يصورها على ما يصح وجودها في العرف، ولا يكون ذلك شرطاً في خيار البائع، ولا تكون رؤية البائع. وعدم إنكاره قطعاً لخياره، لأن الرضا لا يكون مأخوذاً من فعل الغير والله أعلم.
فصل
فأما وطء المشتري، فهل يكون قاطعاً لخياره ورضاً منه لإمضاء البيع أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي العباس بن سريج: يكون قاطعاً لخياره كوطء البائع.
والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي: إن وطء المشتري لا يكون رضاً لإمضاء البيع، وإن كان وطء البائع رضاً للفسخ.
والفرق بينهما: أن البيع لما لم يصح إلا بالقول، لم يصح إمساكه والرضا به إلا بالقول. ولما كان الملك قد يحصل بالفعل كالاصطياد والاحتشاش، جاز أن يكون الرد إلى الملك بالفعل يفسخ البيع فيصح بالفعل.
مسألة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: "وإن وطئها البائع، فهي أمته والوطء اختيار لفسخ البيع".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، وإذا وطئ البائع الجارية المبيعة في مدة الخيار، كان فسخاً للبيع على الأقاويل كلها، لما ذكرنا: من أن الملك لما حصل بالفعل، جاز أن يكون الرد إليه يحصل بالفعل، وبهذا المعنى يقع الفرق بين فسخ البيع حيث كان بالوطء، وبين رجعة المطلقة، حيث لم يجز أن يكون بالوطء: لأن النكاح لما لم يصح إلا بالقول لم تصح الرجعة إليه إلا بالقول، والملك لما حصل بالفعل جاز أن يصح الرد إليه بالفعل.
مسألة: قال المزني: وهذا عندي دليل على أنه إذا قال لامرأتين له: إحداكما طالق، فكان له الخيار، فإن وطئ إحداهما أشبه أن يكون قد اختارها، وقد طلقت الأخرى. كما جعل الوطء اختياراً لفسخ البيع".