وإن كان مما له مثل، فعلى وجهين:
أحدهما: يضمنه بالقيمة أيضاً؛ لأنه مقبوض على وجه المعاوضة.
والثاني: يضمنه بالمثل، لأنه لما منع من الرد بعد الفسخ والطلب، صار غاصباً، وخرج عن أن يكون معاوضاً.
مسألة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ولا يجوز شرط خيار أكثر من ثلاث ولولا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخيار ثلاثة أيام في المصراة ولحبان بن منقذ فيما اشترى ثلاثاً لما جاز بعد التفرق ساعة ولا يكون للبائع الانتفاع بالثمن ولا للمشتري الانتفاع بالجارية فلما أجازه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما وصفناه ثلاثاً اتبعناه ولم نجاوزه وذلك أن أمره يشبه أن يكون ثلاثاً حداً".
قال في الحاوي: وهذا كما قال، خيار الشرط، لا يجوز أكثر من ثلاث، وبه قال أبو حنيفة. وقال أحمد وإسحاق: خيار الشرط يجوز مؤبداً من غير تحديد بمدة معلومة.
وقال ابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور: يجوز مؤبداً إذا كان محدوداً بمدة معلومة. وقال مالك: يجوز من خيار الشرط في المبيعات على قدرها وبحسب ما تدعو إليه الحاجة في تعرف أحوالها، فما أمكن تعرف حاله في يوم، لم يجز أن يشترط فيه ثلاثاً، وما لم يمكن تعرف حاله إلا في شهر، جاز أن يشترط فيه شهراً واستدلوا على جواز اشتراط الخيار فوق ثلاث:
بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المسلمون على شروطهم".
ولأنه خيار معلوم، فوجب أن يثبت في البيع، أصله خيار الثلاث؛ ولأنه شرط ملحق بالبيع يجوز ثلاثاً فوجب أن يجوز أكثر من ثلاث كالأجل؛ ولأن الخيار ضربان:
خيار مجلس، وخيار شرط. فلما جاز أن يمتد خيار المجلس فوق ثلاث، جاز أن يكون الشرط فوق ثلاث. ودليلنا: رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن بيع الغرر" فاجيز بالدلالة خيار الثلاث، وبقي ما سواه على حكم المنع.
وروى الشافعي عن سفيان عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر: أن حبان بن منقذ كان شج في رأسه مأمومة، فثقل لساناً، وكان يخدع في البيع، فجعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يبايع من شيء فهو بالخيار ثلاثاً، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قل لا خلابة" قال ابن عمر رضي الله عنه سمعته يقول: "لا جذابة".
قال الشافعي: وينبغي للمسلمين أن لا يخلبوا، والخلابة: الخديعة. وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في المصراة الخيار ثلاثاً: فكانت الدلالة في ذلك من وجهين: