فإذا كان زمان الخيار باقياً، فلكل واحد من المتعاقدين فسخ العقد من غير حضور صاحبه، وبه قال مالك واليه رجع أبو يوسف. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يجوز لواحد منهما فسخ البيع إلا بحضور صاحبه استدلالاً بأنه فسخ عقد، فلم يصح إلا بحضور من يجب عليه الرد كالإقالة. ولأن الفسخ يوجب انتقال الملك، كما أن العقد يوجب انتقال الملك، فلما كان العقد لا يصح إلا بهما، وجب أن يكون الفسخ لا يصح إلا بحضورهما.
ودليلنا: ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل لحبان الخيار ثلاثاً وقال:"قل: لا خلابة في الإسلام" ولم يشترط في خياره حضور صاحبه، فدل على استواء حكمه. ولأنه اختيار فسخ البيع في مدة خياره، فوجب أن ينفسخ، أصله إذا كان بحضور صاحبه. ولأنه معنى يقطع الخيار، فوجب إذا لم يكن من شرطه رضا المتعاقدين أن لا يفتقر إلى حضورهما. أصله إجازة البيع. ولأن كلما كان فسخاً بحضور المتعاقدين، كان فسخاً بغيبة أحدهما كوطء الباءع وقبلته للجارية المبيعة. ولأن كل من لم يفتقر رفع العقد إلى رضاه، لم يفتقر إلى حضوره، كالزوج في طلاق امرأته طرداً والإقالة عكساً.
وفيه انفصال عن الاستدلالين: لأنه لما افتقر العقد والإقالة إلى رضاهما، افتقر إلى حضورهما، ولما لم يفتقر الفسخ إلى رضاهما، لم يفتقر إلى حضورهما.
فصل
إذا وكل رجل رجلاً في بيع شيء أو ابتياع شيء، فهل يجوز للرجل أن يشترط في عقد البيع خيار الثلاث من غير إذن الموكل أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: لا يجوز أن يتشرط خيار الثلاث إلا بإذن من الموكل صريح، لأن الخيار لا يتناوله العقد إلا بشرط، فلم تتضمنه الوكالة إلا بإذن كالأجل.
والوجه الثاني: يجوز له اشتراط خيار الثلاث من غير إذن الموكل، لأن الخيار زيادة نظر وطلب حظ بخلاف الأجل.
وإذا كان كذلك، وشرط الوكيل في عقد البيع خيار الثلاث، فهو ثابت للوكيل والموكل، أما الوكيل، فلأجل عقده، وأما الموكل، فلحق ملكه. وإذا كان الخيار لهما، فأيهما سبق صاحبه إلى قطع الخيار بفسخ أو إجازة، صح، لأن كل واحد منهما قائم مقام صاحبه، فإن سبق الوكيل إلى ذلك ولم يرض به الموكل لزمه، وكذا لو سبق الموكل من غير علم الوكيل صح. والله أعلم.
فصل
إذا باع سلعة على أن يكون خيار الثلاث فيها لزيد. قال الشافعي في كتاب الصرف: جاز، وكان الخيار لزيد، ولم يكن للبائع فيه خيار، ومنع منه في موضع أخر. فاختلف أصحابنا في هذا الشرط على ثلاثة مذاهب:
أحدها: حمل الجواب على ظاهر نصه الأول، ويصح الشرط، ويكون الخيار لزيد المسمى دون البائع، لأن العقد يمنع اشتراط الخيار، ومستحق الخيار موقوف على قول من شرط الخيار.