فرع آخر
لو أجنب رجل ولم يجد الماء فتيمم وصلى فريضة واحدة ثم أحدث لم يجز له أن ينتقل لأجل الحدث, ولو وجد من الماء ما يكفيه لأعضاء وضوءه ولا يكفيه لجميع بدنه. قال ابن سريج: إذا قلنا لا يجب استعماله لو توضأ بهذا الماء ارتفع حدثه, وله أن ينتقل من غير تيمم؛ لأن التيمم الذي فعله للجنابة باق لم يزل حكمه, وغنما حصل المنع بالحدث. فإذا توضأ زال حكمه فجاز [١٨٢ أ/ ١] له أن ينتقل, وليس له أن يصلي به فريضة أخرى؛ لأن هذا الوضوء لا ينوب عن الجنابة, وقد يصلي فريضة واحدة بالتيمم وهو بمنزلة جنب تيمم وصلى به فريضة, ثم إصابته نجاسة يجب غسلها, فحرم عليه فعل النوافل, ثم غسل النجاسة زال المنع وعاد إلى حالته الأولى في استباحة النفل دون الفرض, كذلك هاهنا,
وليس على أصلنا وضوء نستبيح به النوافل دون الفريضة إلا في هذا الموضوع, فإن لم يتوضأ به وأراد أن يتيمم جاز على هذا القول, ثم نوى بالتيمم الفريضة يصليها والنوافل معها, وإن نوى به النافلة يصح ويستبيحها دون الفريضة؛ لأنه يجوز أن يستبيح بهذا التيمم الفريضة والنافلة فجاز أن يستبيح به النافلة وحدها.
وقال القاضي الطبري: لا يصح تيممه عندي للنافلة؛ لأنه يقدر على الوضوء لها فلا يستبحها بالتيمم, ويفارق التيمم الفريضة لأنه ينوب عن الجنابة, وإذا تيمم للنافلة ناب تيممه عن الوضوء, فإن قيل: إذا لم يستبيح الفريضة بالوضوء فكيف يستبيحها بالتيمم؟ قيل: لأن الوضوء يزيل منع الحدث فقط, والتيمم يزيل منع الجنابة والحدث, ألا ترى أنه لو لم يحدث وتيمم استباح الفريضة, ولو وجد هذا القدر من الماء فتوضأ به لم يستبح الفريضة, ولو كانت المسألة بحالها ما حدث [١٨٢ ب/١] قبل الفرض, ثم توضأ بهذا القدر من الماء. قال والدي الإمام- رحمه الله: هل أن يصلي به الفرض؟ يحتمل على وجهين, والأظهر جوازه, وإن كانت المسألة بحالها فدخل وقت العصر قبل الحدث هل له أن ينتقل؟ وجهان: أحدهما: له ذلك, والثاني: ليس له ذلك, لأنه عاد بدخول وقت فريضة أخرى إلى معناه الأول, وإن قلنا: إنه يلزمه استعمال ما لا يكفيه من الماء فإن تيممه قد بطل بوجود الماء القليل, فيلزمه استعماله ولو توضأ به لا ينتقل ما لم يتيمم.
فرع
لو أجنب ولم يجد الماء فتيمم استباح الصلاة, وقراءة القرآن وجميع ما يستبيحه بالغسل, فإن أحدث الصغر لم يجز له أن يصلي ولا أن يمس المصحف, ويجوز له أن يقرأ القرآن ويمكث في المسجد, لأن التيمم ها هنا ناب عن الغسل, وهذا الحدث لا يبطل الغسل فلا يبطل ما ناب عنه, ولهذا أن يستبيح الزوج وطئ الحائض بالتيمم والمباشرة بتقدم الوطء, وذلك هو حدث يوجب الوضوء, فلو أبطل تيممها لم يجز الوطئ أصلا.