فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطباً واتفقت الأمة على قبول هذه الأخبار ولكنهم اختلفوا في تأويلها ومعناها فقال الشافعي: معناها بيع الرطب في رؤوس النخل خرصاًَ بالتمر على الأرض كيلاً فيما دون خمسة أوسق فيجيء الخارص ويقول يجيء من هذا أربعة أوسق تمراً والآن رطباً ستة أوسق فيبيعها بأربعة أوسق تمراً ويقبض التمر في المجلس ويسلم إليه الرطب بالتخلية ثم يتفرقان ويعتبران بلون التمر أقل من خمسة أوسق ولا يجوز أن يزيد على خمسة أوسق وإن زاد الرطب على خمسة أوسق فلا بأس كما صورنا [١٠٩/ ب].
وقال أحمد: هكذا ولكنه قال في رواية: يبيعها بمثله تمراً ويخرصها رطباً، وقال مالك: معناها أن يهب الرجل نخلة من حائطه من الغير فيقب الغير الهبة، فيلزم بنفس العقد عنده، فإذا حملت النخلة فلمالكها أن يتردد ويدخل حائط غيره ويلتقطها فيشق ذلك على الواهب لأن العادة بالحجاز أن صاحب الحائط يخرج بأهله إلى حائطه أيام الثمار فيشق عليه دخول الأجنبي فيجوز للواهب أن يشتري تلك الثمرة من الموهوب له بما يجيء منه تمراً فيكون حقيقة البيع إلا أنه إنما يجوز في هذا الموضع المخصوص واحتج بأن العرية في اللغة الهبة والعطية قال الشاعر:
ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن ... عرايا في السنين الجوائح
وهذا غلط لما ذكرنا من نصوص الأخبار، وقال الأزهري: جماع العرايا كل ما أفرد ليؤكل خاصة سميت عرايا لأنها عريت من جملة الحائط، وقيل: سميت عرية لأجل تردد أهلها فيلتقط ما أدرك منها كل مرة يقال: عروته أعروه وإذا [١٠٩ ب/ ٦] قصدته للرفد، وقال أبو حنيفة: معناها أن يهب الرجل ثمرة نخلة من حائطه لرجل، ويقبلها الموهوب له: دع ما وهبت لك وأنا أعطيك تمراً بقدر ما يجيء من رطب هذه النخلة فهذا معنى البيع ولكن ليس بحقيقة البيع وهذا أيضاً غلط، لأنه اعتبر الخرص وقدر بخمسة أوسق أو دونها وسماه بيعاً فلا يحتمل إلا ما ذكرنا.
فإذا تقرر هذا عندنا لا يجوز بيع العرايا حتى يكون معلوم للطرفين أحدهما: بالكيل، والثاني: بالخرص وفيه أربعة مسائل إحديها: ما ذكرنا فيجوز ذلك فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق، وهل يجوز في خمسة أوسق؟ قولان قال في "الأم": لا أفسخه في خمسة أوسق، وقال في الصرف: ولا يشتري من العرايا إلا أقل من خمسة أوسق بشيء ما كان وهذا اختيار المزني وأحمد ووجه الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص في العرايا ولم يفصل ثم قام الدليل فيما زاد على خمسة