وأما نفس النكاح فلا يبطل؛ لأن جهالة العوض لا تمنع صحة النكاح، فإن قلت جاز الجمع بين العقدين صح وقسط المسمى عل مهر مثلها وعلى قيمة المبيع، أو على مهر مثلها وأجرة مثل الدار المستأجرة. وإذ قلنا: لا يجوز فسد الكل إلا النكاح ولها مهر مثلها، وصورة المسألة أن تأذن لوليها في التزويج وتوكله ببيع عبدها، فيقول الخاطب: تزوجت بفلانة واشتريت هذا العبد بألف درهم، ويقول الولي: زوجتكها وبعت، وعلى هذا {ق ٣ أ) لو باع حنطة وثوبًا بشعير كان على القولين، لأن التقابض في الشعير وما يقابله من الحنطة واجب ولا يجب في الباقي.
وأما القسم الثاني: وهو أن يجمع ما لا يجوز وبين ما يجوز، فإن باع عبد نفسه وعبد غيره بغير إذنه صفقة واحدة فالبيع باطل في ملك غيره قولًا واحدًا، وهل يصح في ملك نفسه؟ قولان منصوصان:
أحدهما: لا يصح وهو اختيار القاضي الطبري وله تعليلان:
أحدهما: أن الصفقة جمعت محظورًا ومباحًا فغلب الحظر.
والثاني: أنه مؤدى إلى جهالة الثمن، وذلك أن الثمن المسمى قابلهما ولابد من توزيعه عليهما بمناسبة القيمة، وربما يتفاضلان في الحصة وربما يتماثلان، وهذه الجهالة مستندة إلى طلب العقد فيبطل العقد.
والثاني: وهو اختيار أبي حامد ومشايخ خراسان وهو قول أبي حنيفة، وبه أفتى لأنهما عينان معلومتان لو أفردت كل واحدة منهما بالعقد خالف حكمها حكم الأخرى، فإذا جمع بينهما وجب أن يحكم لكل واحد منهما بحكم المنفرد، كما لو باع شقصًا وسيفًا، وهكذا إذا باع عبده وأباه أو حرًا آخر وشاةً مذكاة وميتة أو حيًا وميتًا، أو شاةً وخنزيرًا، أو باع عبده وأم ولده، أو مكاتبة صفقة واحدة. ومن أصحابنا من قال: إذا {ق ٣ ب) باع عبده وأباه، أو حيًا أو ميتًا، أو شاةً وخنزيرًا يبطل البيع في هذه المسائل الثلاث قولًا واحدًا، وهذا اختيار الشيخ حسين في شرح "التلخيص" فإن قيل: ما الفرق بين هذه المسائل الثلاث وبين أن يبيع شاة مذكاة وشاة ميتة صفقة واحدة يجوز البيع في الزكاة في أحد القولين. قلنا: الفرق أن الشاة المذكاة إذا عرفنا قيمتها عرفنا قيمة الميتة لو لم يكن حرامًا بالشرع. وليس كذلك الخمر والخل لاختلافهما في الصفة، وكذلك الخنزير لا يجوز تقويمه ولا تعرف قيمته بمعرفة قيمة الشاة. وهذا ضعيف عندي؛ لأن معرفة الحر يمكن بمعرفة قيمة العبد وهذا القائل يقول: يبطل البيع فيهما قولًا واحدًا. وقيل: قول الجواز أولى ههنا؛ لأنه لا يكون جملة الثمن فيما يقبل العقد فلا يؤدي إلى جهالة الثمن في الأول. وقال أبو حنيفة: إن كان الفساد في إحداهما ثبت بنص أو إجماع كالحر والعبد، أو الميتة والذكاة، أو الشاة والخنزير يبطل فيهما، وإن كان الفساد في إحداهما بغير ذلك كأمة وأم ولد أو مدبر صح في الجائز.