مسألة: قال: (وإن توضأ رجل ثم جمع وضوءه في إناء نظيف ثم توضأ به هو أو غيره لم يجز).
وهذا كما قال: الماء المستعمل هو على ثلاثة اضرب؛ مستعمل في رفع الحدث, ومستعمل في البدن, ومستعمل في غير الحدث والندب.
فأما المستعمل في رفع الحدث فهو الماء الذي توضأ به المحدث, أو اغتسل به الجنب, أو الحائض, فالماء طاهر لأنه لاقى موضعًا طاهرًا, وهو هو مطهر؟ المشهور أنه غير مطهر. وبه قال عمر, وابن عباس (رضي الله عنهما) والاوزاعي والثوري, والليث, وأحمد.
وروي ذلك, عن مال, وأبي حنيفة, وقال أبو ثور: سألت أبا عبد الله عن الماء المستعمل هل هو طهور؟ فتوقف فيه, وقال عيسى بن أبان, قال الشافعي: هو طاهر مطهر.
واختلف أصحابنا فيه على طريقين, فمنهم من قال: هو غير مطهر قولًا واحدًا ورد رواية (١٩٥ أ/١) ابن أبان, وقال: لا أجد مذهب صاحبي من المخالف وقيل: غلط عيسى في هذا لأنه سمع الشافعي يقول: الاستعمال لا يؤثر, وأراد في طهارته لا في طهوريته, فظن أنه لا يؤثر في طهوريته ومنهم من قال: عيسى هذا ثقة, وإن كان مخالفًا فالمسألة على قولين:
أحدهما: ما ذكرنا وهو الصحيح؛ لأنه أدى به الفرض فلا يؤدي به الفرض ثانيًا, كما لو أعتق عبده من الكفارة لا يقدر على عتقه ثانيًا.
والثاني: هو طاهر مطهر, وبه قال الحسن, والنخعي, وعطاء بن أبي رباح والزهري, ومكحول, وأبو ثور, وداود, وأهل الظاهر, وهو راوية عن مالك. واحتجوا بما روت ربيع أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مسح رأسه بفضل ما كان في يده , ولأن هذا ماء طاهر لاقى جسمًا طاهرًا فأشبه إذا لاقى ثوبًا, وهذا غلط, والخبر محمول على أنه كان ترك المسحة الثانية, وفي الثوب لم يزد العبادة بخلاف ها هنا, وروى ابن المنذر, عن علي, وابن عمر, وأبي أمامه (رضي الله عنهم) أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه: إذا وجد بللًا في لحيته أجزأه أن يمسح رأسه بذلك البلل, وهو اختيار ابن المنذر, وروى الحسن بن زياد, عن أبي حنيفة: أنه نجس, وبه قال أبو يوسف, واحتج الشافعي عليه بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) (١٩٥ ب/١) توضأ ولا يشك أن من بلل الوضوء ما يصيب ثيابه, ولا نعلمه غسله, ثم انفصل عن سؤال مالك, فإنه قال: إذا لم يكن لم لا يتوضأ ثانية؟ وما الفرق بين أن يغسل ثوبًا طاهرًا أو بدنًا طاهرًا, وقد يتوجه هذا السؤال من وجهة أبي يوسف على العكس, فقال الشافعي: ولا يتوضأ به لأن على الناس تعبدًا في أنفسهم بالطهارة من غير نجاسة, وليس على ثوب أو أرض تعبد.