للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول "والمبتاع بالخيار" فمعناه، والله أعلم أن البائع إذا ادعى أن البيع انعقد بألفين والمشتري يزعم أنه انعقد بألفٍ فالمبتاع {ق ٨ ب) بالخيار إن شاء أحدهما بألفين كما يزعم البائع، وإن شاء خلف وفسخ ورد واسترد. وهذا الخيار كان للبائع أيضًا، لأنهما إذا تحالفا فالبائع إن شاء طلب الفسخ، وإن شاء رضي بقول المشتري وسلم السلعة بألفٍ، وهذا أيضًا ضرب من الاختصار فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الخيار في جانب المشتري نبهنا على الخيار في جانب البائع لاشتراكهما في الصفة واستوائهما في التحالف.

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف المتبايعان يتحالفا ويترادا" ومعنى التراد: يحتمل أن يكون راجعًا إلى تراد العقد وهو الفسخ، وقيل: إنما ذكر البائع لأنه يبدأ بيمينه، ثم قال الشافعي- رحمه الله تعالى-: "قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ البَيِّنَةَ عَلَِى المُدَّعِي وَاليَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيهِ" فإذا تبايعا عبدًا ثم اختلفا في الثمن فالبائع يدعي فضل الثمن والمشتري يدعي ملك السلعة بأقل من الثمن فيتحالفان، وقصد الشافعي به تقرير ما قدمناه تقريره وهو أن كل واحد منهما مدعي من وجه ومدعى عليه من وجه فتوجهت اليمين على كل واحد منهما. واحتجوا بما روى ابن مسعود رضي {ق ٩ أ) الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا فشرط قيام السلعة، قلنا: روى بعض مشايخنا بخراسان، والسلعة قائمة أو تالفة" ثم نص على قيام السلعة تنبيه على حال تلف السلعة؛ لأن عند قيامها يمكن معرفة ثمنها في العرف وقول من هو أقرب إلى الصدق بخلاف حال التلف، فإذا تحالفا حال قيام السلعة فلأن يتحالفا عند التلف أولى. وهكذا لو اختلفا في قدر المبيع فقال البائع: بعتك هذا العبد وحده بألف، وقال المشتري: بل هذا وهذا الآخر بألف أو في صفة الثمن، فقال البائع بالصحاح، وقال المشتري بالمكسرة وهكذا لو اختلفا في شرط يلحق بالعقد يختلف الثمن باختلافه مثل إن قال: بعتك بألفٍ نقدًا، وقال المشتري إلى سنة، أو قال البائع إلى سنةٍ، وقال المشتري: إلى سنتين أو اختلفا في أصل خيار الشرط أو في قدره، أو ضمان عهدة المبيع أو في قدرها أو في الشهادة، أو في قدرها مثل إن قال: على أن تشهد لي بالثمن شاهدين، وقال المشتري: بل {ق ٩ ب) شاهدًا واحدًا، ففي كل هذا يتحالفان.

وقال أبو حنيفة، وأحمد- رحمهما الله تعالى-: لا يتحالفان في هذه المسائل والقول قول من ينفيه. وهذا غلط لأنهما اختلفا في صفة العقد القائم بينهما وليس معهما بينة فوجب أن يتحالفا، كما لو اختلفا في الثمن. وأما إذا اختلفا في شرط يفسد العقد فالقول قول من ينفي ذلك بلا خوف نص عليه في البويطي. هكذا ذكره أهل العراق، وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>