لو قال: بعتك هذه الصبرة إلا صاعًا، فإن كان عدد الصيعان معلومًا جاز وإن كان مجهولًا لا يجوز، والفرق أنها إذا كانت معلومة فقدر المبيع معلوم والجهالة فيما استبقى له على ملكه، وههنا المبيع مجهول، والقدر الذي استبقاه معلوم فلا يجوز، وأما إذا كان المبيع مما لا يتساوى أجزاؤه كالثوب والدار والأرض ففيه مسائل:
أحدها: أن بيع الدار بمنزلة بيع الصبرة لأن ظاهرها مثل الحنطة والسقوف لا يرى باطنها كأساس الحيطان وأطراف الخشب وغير ذلك، وإذا قال: بعتك هذه الدار بكذا جاز، ولو قال: بعتك هذه الدار كل ذراع بدرهم جاز.
وقال في "الحاوي": إذا لم يعلما مبلغ ذرعها فيه وجهان. قال البصريون: يجوز كما في الصبرة، وقال البغداديون: لا يجوز للجعل بمبلغ الثمن ولعله أراد بعض البغداديين، ولو قال: بعتك ربع هذه الدار، أو ثلثها جاز ولو قال: بعتك من هذه كل ذراع بدرهم لا يجوز، ولو قال: بعتك هذه الدار عشرة أذرع كل ذراع [ق ٣٩ ب] بدرهم ولم يعرفا جملة ذرعان الدار لا يجوز؛ لأن أجزاء الدار غير متساوية ويفارق الصبرة من هذا الموضع لأن أجزاءها متساوية، ولو سمى جميع ذرعان الدار، ثم اشترى منها عشرة أذرع جاز من قبل أن هذا منها سهم معلوم.
وبه قال أبو يوسف، ومحمد، وقال أبو حنيفة: لا يجوز؛ لأن الذرعان عبارة عن القدر كالقفيز من الطعام، فإذا أضافه إلى جملة معلومة كان ذلك جزءًا منها، ولو قال: بعتك من ههنا إلى ههنا جاز لأنه معلوم، ولو قال: بعتك من ههنا عشرة أذرع إلى حيث ينتهي ولم يبين الانتهاء وجهان:
أحدهما: يجوز، وهو اختيار أبي اسحاق، وابن أبي هريرة لأنه باع جزءًا معلومًا من موضع معين؛ لأن الموضع الذي ينتهي المقدار غير معلوم وذلك يختلف فلا يجوز البيع حتى يكون الابتداء والانتهاء معلومين، ولو قال: بعتك هذه الدار كل ذراع بدرهم على أن أزيدك ذراعًا أو أنقصك ذراعًا فالحكم على ما ذكرنا في الصبرة، ولو [ق ٤٠ أ] قال: بعتك نصيبي من هذه الدار ولم يعرفا أو أحدهما قدر النصيب لا يجوز.
وحكي عن أبي حنيفة: إذا علم المشتري قدره يجوز. وكذا المسائل في الثوب إذا قال: بعتك هذا الثوب كل ذراع بدرهم لا يجوز؛ ولو قال: بعتك من هذا الثوب عشرة أذرع إلا ذراعًا واحدًا لا يجوز، لأنه لا يمكن تسليم المبيع إلا بضرر نقص يدخل على البائع، إلا أن يكون الثوب ضعيفًا إلا ينقصه بالقطع كالبطانة ونحوها، فحكمه حكم الدار إذا بين الابتداء والانتهاء، أو بين الابتداء دون الانتهاء على ما ذكرنا. وهذا هو المنصوص ذكره صاحب "التلخليص". وقال ابن سريج: يجوز ذلك بكل حال واختاره