قَالَ:"وَقَدْ نَهَى رَسُولُ الله صلى اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ المُلاَمَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ".
وهذا كما قال: لا يجوز بيع الملامسة وهو أن أحدهما يجعل لمس الثوب بيعًأ فيقول: إذا لمست هذا الثوب فقد بعته منك، وإذا لمست ثيابي ولمست ثيابك فذاك بيع بينه، أي هذا الشيء فلا يجوز.
والثاني: أن يمس ثوبًأ في ظلمة ويختلفان ويشتريه على أنه إذا رآه لا خيار له فلا يجوز، وإن لم ينف خيار الرؤية يجوز حينئذٍ على أحد القولين. وقيل: أن يشتريه مشاهدة على أنه إذا لمسه لا خيار له فلا يصح الشرط الفاسد، ولا يجوز بيع المنابذة، وهو نوعان أيضًا:
أحدهما: أن يقول: أنبذ إليك ثوبي على أن تنبذ إليَّ ثوبك، ويكون أحدهما بالآخر، فإذا تنابذا لا خيار لواحد فيهما من شاهد الطول والعرض، ويكون نقص في المنبوذ، وهو في الحقيقة بيع المناولة الذي يجوزه أبو حنيفة.
والثاني: أن يقول: أنبذ إليك ثوبي بثمرة، فإذا فعلت هذا لزمك البيع ولا خيار لك، فكلاهما باطلان.
قال صاحب "التلخيص": معناه أن تشتري الثوب ولكن نبذ إليه ولم يره المشتري. وإذا جوزنا بيع الغائب يجوز هذا وهذا.
وقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي [ق ٥٤ ب] صلى الله عليه وسلم نهى هن بيعتين ولبستين. وروى: وصلاتين في وقتين"، فالبيعتان: الملامسة والمنابذة. واللبستان: اشتمال الصماء والاحتباء بين ثيابهما. والصلاتان في وقتين: بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
فإن قيل: عطف الشفعي على تفسير المنابذة قوله: "فكذلك أنبذ إليك بثمن معلوم" وهو صورة بيع الغائب ولم ألحقه بالمنابذة. قيل: أراد به أنبذه إليك بثمن معلوم على أن لا خيار لك إذا عرف الطول والعرض، فيبطل حينئذٍ لاشتراط نفي الخيار، وهذا النص دليل على أنه إذا باع بشرط نفي خيار المجلس أو نفي خيار الرؤية بطل البيع في أصح الأوجه.