للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كما قال. الأعمى على ضربين؛ أكمه، وأعمى كان بصيرًا ثم عمي. فأما الأكمة فلا يجوز أن يشتري العين ولا أن يبيع قولًا واحدًا.

ومن أصحابنا من قال: هو مبني على بيع خيار الرؤية. فإن قلنا: لا يجوز منه ذلك، وإن قلنا: يجوز فيه وجهان:

أحدهما: يجوز ويثبت له الخيار فيؤكل من يشاهد فيجيز أو يفسخ.

قال هذا القائل: وكذلك أقول في بيع خيار الرؤية له أن يؤكل من يشاهد المبيع عنه، فيجيز أو يفسخ.

ومن أصحابنا من قال: لا يجوز؛ لأن الخيار إذا ثبت شرعًا لا يجوز فيه التوكيل. قال: وكذا أقول في خيار الرؤية، ولا يجوز فيه التوكيل. والأول أصح.

وأما من كان بصيرًا ثم عمي، فإن باع ما كان شاهده في حال تقابضه جاز إن كان الشيء ما لم يتغير ولم يطل الزمان، وإن باع ما لم يره فعلى ما ذكرنا. وكذلك إن كان قد رآه وطال الزمان وتغير الشيء، كالعبد يكبر، والمجر يطري. ولو عمي قبل القبض هل يبطل الشراء؟ وجهان والأصح أنه لا يبطل.

وأما السلم: نص الشافعي رحمة الله عليه على جوازه من الأعمى [ق ٥٦ أ] سواء كان أكمه أو بصيرًا، ثم عمي؛ لأن المعول في السلم على الوصف دون العيان، والمشاهدة، والأعمى والبصير في الوصف سواء، فإنه يدرك سماعًا ثم إذا حل سلم الأعمى فليس هو أهل للقبض؛ لأن القبض يستدعي معاينة ولا معاينة فله فيوكل بصيرًا لقبض سلمه. وعلى هذا الوكيل مراعاة أوصاف عقد السلم؛ لأنه مقصود المنظر فيلزمه مراعاة النظر.

وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل يصح قبضه؟ فيه وجهان: قال المزني: يشبه أن يكون أراد الشافعي لمعرفتي بلفظه الأعمى الذي عرف الألوان قبل العمى، فأما من خلق أعمى فلا معرفة له بالألوان فلا يصح سلمه، وهذا اختيار المزني رحمه الله، أن الأكمة ليس من أهل عقد السلم، وادعى أن الشافعي أراد من كان بصيرًا ثم عمي.

واختلف أصحابنا في هذا، فقال ابن سريج: ما قاله المزني يحسن أن يحتمل غيره، فكأنه اختاره. وقال ابن أبي هريرة: أصاب فيما قال.

وقيل: هذا هو المذهب. وقال أبو إسحاق وعامة أصحابنا: أخطأ المزني فيما قال؛ لأنه يتقرر وصفه عنده بالسماع والأخبار، فصار كبصير أسد بالصفات في شيء لم يره قط. فخرج من هذا أن الأعمى الذي كان بصيرًا [ق ٥٦ ب] ثم عمي يصح سلمه، وهل يصح من الأكمة؟ وجهان. وظاهر نص الشافعي جوازه، وهذا إذا كان العقد على ما في الذمة من الطرفين، فإن أسلم درهمًا مطلقًا ثم أمر أن يسلم إليه رأس المال في المجلس والمسلم إليه بصيرًا. فأما إذا أسلم شيئًا معينًا في موصوف في الذمة لا يجوز؛ لأنه بيع العين عمن جاسه في الحقيقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>