فإن فعل هذا [ق ٥٧ ب] واغتر به غيره واشتراها كان الشراء صحيحًا ولا خيار للمشتري سواء كان بأمر البائع أو بغير أمره.
ومن أصحابنا من قال: له الخيار إذا كان بأمر البائع ومواطأة من جهته؛ لأنه تدليس كالتصرية، وهو اختيار ابي إسحاق رحمه الله، وهذا غلط يخالف مذهب الشافعي؛ لأنه دخل باختياره فكان التفريط فيه من جهته إذ كان من سبيله أن يعرضه على من يعرف قيمته. ويخالف التصرية لأنها تدليس من البائع؛ ولا ينسب المشتري فيه إلى التفريط، وهذا اختيار ابن أبي هريرة وجماعة.
وعلى هذا لو قال البائع: أعطيت بهذه كذا فصدقه المشتري واشتراها ثم بان كذبه يصح البيع، وهل يثبت له الخيار؟ ينبغي أن يكون على هذين الوجهين.
وقال القاضي أبو علي البندنيجي: له الخيار هنا قولًا واحدًا، وهو ظاهر قوله في اختلاف الحديث.
وقال مالك: البيع مفسوخ لأجل النهي الذي ذكرنا. وروى أبو هرير -رضي الله عنه -أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا". وهذا غلط لأن النهي لمعنى في غير البيع، وإنما هو لخديعة فلا يمنع جوازه. وقيل: يصح إذا كان يأمره. وقال أبو حامد رحمه الله: هل يثبت الخيار؟ قولان. والأصح ما ذكرنا [ق ٥٨ أ] فإذا تقرر هذا فالناجش عاص بلغه الخبر أو لم يبلغه، ولا تكفي معصية ببلوغ الخبر؛ لأنه إيقاع أخيه المسلم في ورطة العين. ويخالف هذا البيع على بيع أخيه؛ لأن الشافعي رحمه الله نص هناك على أنه لا يكون عالمًا بالخبر، والفرق أن النجش في العقول مكر وقصد خديعة، ولا يخفي على عاقل ذلك.
وأما البيع على البيع فليس كذلك؛ لأن البائع مسلط على بيع سلعته والباعة يتنافسون في اصطياد المبتاعين بما يمكنهم من أنواع الترغيب، فإذا لم يسمع خبر الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن عاصيًا يعرض سلعته. وقيل: إنه كان اعتقد جوازه لم يكن عاصيًا؛ لأنه لم يقصد المخالفة، وادعى هذا القائل أنه نص الشافعي.
مسألة:
قَالَ: وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لَا يَبعْ بَعْضُكُم عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ".