رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يبع حاضر لباد". قال طاوس: فقلت: وكيف لا يبيع؟ فقال: لا يكون لهم سمسارًا. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السمسرة.
وصورة ذلك أن يدخل الأعراب بأمتعة لهم إلى البلاد يبيعوها ويصرفوا أثمانها في حوائجهم ويرجعوا إلى أوطانهم، فيجيء الحاضر في البلد يسألهم ترك الأمتعة عنده ليبيعها بعد أيام بسعر جديد لعلمه بأن حاجة أهل البلد تمس إليها بعد أيام لقلة المبتاع عندهم وانقطاعه. والمعنى في ذلك ما شرحه الشافعي، فإن أهل البوادي يبيعونها بسعر يومهم للمؤنة عليهم في حبسها واحتباسهم عليها ولا يعرفون قلة تلك الأسعار وحاجة الناس إليها ما يعرف الحاضر، فإذا توكل لهم الحاضر المقيم تربصوا لأنه لا مؤنة عليهم في المقام [ق ٥٩ ب] بها، ولا يصيب الناس من ينزعهم رزقًا ومنفعة، وهذا إنما يحرم بأربعة شروط:
الأول: أن يقدم الغريب ومعه المتاع يريد أن يبيعه في البلد.
والثاني: أن يكون قصده البيع وتعجيل الثمن والخروج إلى وطنه.
والثالث: أن يجيء الحضري إليه ويطلب منه البيع له.
والرابع: أن يكون البلد صغيرًا بحيث إذا بيع ذلك اتسع على أهله وإذا لم يبع ضاق عليهم.
فإن اختل شرط من هذه الشروط لا يحوز إلا الشرط الأخير، فإن البلد إذا كان كبيرًا لا يضيق على الناس ترك بيعها فيه، فهل يحرم أم لا؟ وجهان:
أحدهما: يحرم لعموم الخبر.
والثاني: لا يحرم لعدم المعنى.
وأما إذا أرادوا أن يقيموا في البلد شهرًا أو شهرين والتمسوا من السماسرة بيعها فامتنعوا، كان ما يلحقهم من الضرر بأنهم لا يجدون من يبيع لهم أمتعتهم أكثر وأدى ذلك إلى الإضرار بأهل البلد؛ لأنهم إذا رأوا ذلك لا يؤمن أن يقطعوا الجلب عنهم فلا يحرم عليهم التوكيل لهم، فإن خالف فباع لهم في الموضع الذي نهيناه عنه كان عاصيًا إن كان بالحديث عالمًا، وإن لم يكن عالمًا لا يكون عاصيًا، وكان البيع نافذًا لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض". فلو كان البيع باطلًا لكان الرزق ممنوعًا؛ لأن البدوي حينئذٍ [ق ٦٠ أ] يحتاج إلى مباشرة البيع واستئنافه بنفسه، ولو كان السمسار باع سلع أهل البادية على الفور بسعر يرضاه ولم يتربص بها لم يكن آثمًا ولا عاصيًا؛ لأنه لا يمنع أهل البلد رزقهم من أهل البادية. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم