منه بألف فيبطل القرض بشرط البيع كما يبطل البيع [ق ٦١ ب] بشرط القرض، ثم حكم القرض الفاسد إذا اشترى المستقرض شيئًا لا بعينه، ثم أداه وتلف في يد البائع، فللمقرض الخيار بين أن يرجع على المستقرض وبين أن يرجع على البائع، فإن رجع على المستقرض فذاك، وإن رجع على البائع فالبائع يطالب المستقرض بثمن ما باع منه، وإن اشترى بعينه فالشراء باطل، وإن يكن في يد البائع فالمالك بالخيار كما ذكرنا.
فإذا تقرر هذا قال الشافعي رحمة الله عليه في شرح تعليل هذه المسألة:
فإن قال القائل: كيف سماها عارية والرجل أعطاهم باسم القرض؟ قلنا: سماعا عارية على المعنى لا على الحقيقة، والقرض والعشارية متقاربان في معنى المنفعة؛ لأن المستعير يستعير لينتفع بها كالمستقرض وكلاهما ضامن لما قبض، غير أن جهة الانتفاع بالقرض غير جهة الانتفاع بالعارية فإن المستعر يرتفق بالمنافع فيه كالعين، والمستقرض يستقضي العين ويرد البدل.
وهذا كما قال. القرض مستحب مندوب إليه، وهو فعل من أفعال الخير، وقد روى أبو هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كشف عن مسلم كربه، في الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في [عون] العبد ما دام [ق ٦٢ أ] العبد في عون أخيه". والقرض يكشف الكربة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قرض مرتين صدقة مرة".
وقال ابن عباس، وابن مسعود، وأبو الدرداء- رضي الله عنهم: أن أقرض مرتين أحب إلي أن أتصدق مرة.
ثم اعلم أن القرض عقد إرفاق لا يقصد به المغابنة ولا طلب الفضل، ولا يصح حتى يكون معلومًا، وإنما يكون معلومًا بشيئين؛ المشاهدة، والصفة. ولا يجوز أن يقرضه على أن يعطيه خيرًا منه، إما أكثر منه أو أجود منه في العيان أو الجنس، أو يقرض مكسرًا ليقضي صحاحًا، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قرض جرَّ منفعة. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"كل قرض جر منفعة فهو ربا".