وروى ابن عباس- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكلب وقال: "إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملؤوا كفه ترابًا". ومعنى التراب ههنا الحرمان والخيبة, كما يقال: ليس في كفه إلا التراب, وكقوله: صلى الله عليه وسلم "والعاهر الحجر" وكان بعض السلف يذهب إلى استعمال الخبر على ظاهره يقول: أن يوضع التراب في كفه.
وروى أبو هريرة- رضي الله عنه- أن النبي: صلى الله عليه وسلم [ق ٨١ ب] قال: "لا يحل ثمن الكلب ولا حلوان الكاهن ولا مهر البغي". والدليل على مالك- رحمه الله- أن الثمن ثمنان ثمن التراضي عند البيع وثمن التعديل عند الإتلاف, وقد أسقطها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "فاملؤوا كفه ترابًا" فدل على أنه لا عوض له, وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ثمن الكلب من السحت, وقال عطاء والنخعي: ما حرم اقتناؤه منها فبيعه محرم وما أبيح اقتناؤه منها فبيعه جائزا, واحتج مالك- رحمه الله- بأنه إذا أتلفه أبطل عليه منفعته فيضمن, كأم الولد لا يحل بيعها ونلزم قيمة على أتلفها. قلنا: أم الولد استحقت العتق ولم تخرج عن المالية. وهذا المعنى لا يوجد في الكلب, واحتج أبو حنيفة- رحمه الله- بما روي جابر- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب صيد. قلنا: هذا موقوف على جابر ذكره الدارقطني, ثم هو حجة عليه لأنه يخبر عن بيع غير معلوم. وقيل: معناه ولا كلب صيد.
وروي رافع بن خديج- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كسب الحجام خبيث, ومهر البغي خبيث, وثمن الكلب خبيث".
وإذا تقرر هذا فلفظ الشافعي رحمه الله- ههنا يدل على أن الاقتران في اللفظ يقتضي الاقتران في الحكم, وهو اطهر المذهبيين؛ لأنه قال: "وَلَا يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ بِحَالٍ [ق ٨٢ أ] ولو حَلَّ ثَمَنُهُ جَازَ حُلْوَانُ الكَاهِنِ وَمَهْرُ البَغِيِّ"
مسألة
قَالَ: "وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤْهُ إِلَّا لِصَاحِبِ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ, أَوْ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُمْ".
وهذا كما قال: يجوز اقتناء الكلب للصيد وحفظ الماشية والزرع لدفع الخنازير, وفي معنى أصحاب الزرع أصحاب النخل والشجر والكرم, وفي معنى أصحاب المواشي أصحاب الخبل والبغال والحمير لحفظها من صغار السباع, وهذا لما روي أبو هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتنى كلبَا إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية نقص.