يذكر القولين في انقطاع الجميع كما ذكرتهما ثم يشتغل بالمسألة الثانية التي منها تبعيض الصفقة، إذ لا يتصور في انقطاع الكل ما ذكر المزني من تفريق الصفقة والرجوع بالحصة.
ثم اعلم أنه قال:"ونَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَكِيماً عَمَّا لَيسَ عِنْدَهُ وَأجَازَ السَّلَفَ". فدل على أنه نهى حكيمًا عن بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضمونًا مع الأعيان، وقصد الشافعي رحمة الله عليه به الجمع بين الحديثين فإن ظاهرهما الاختلاف، فبين أنهما غير مختلفين؛
أحدهما: حديث حكيم بن حزام، والثاني: ما ذكرنا في أول الكتاب وخلاف ظاهر الأول؛ لأنه بيع ما ليس عنده إذ الرطب لا يبقى سنتين، فحمل خبر حكيم على بيع العين فلا يجوز أن يبيع عينًا مجهولةً ليس عنده؛ أي ليست في ملكه. وحمل الخبر الثاني على ما ورد فيه وهو السلم المضمون. ويحتمل أن يكون قصد الشافعي رحمه الله إبطال مذهب أبى حنيفة رحمه الله حيث قال: لا يجوز السلم في المنقطع صحيحًا، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيمًا عن بيع ما ليس عنده فحمله الشافعي على بيع الأعيان لا على بيع الصفات، بدليل خبر ابن عباس رضي الله عنهما [ق ١٠٣ أ] فإنه مشتمل على جواز السلم في المنقطع على ما ذكرنا.
مسألة:
قَالَ:"وَإِذَا أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصِفَةٍ مَضْمُونًا إِلَى أَجَلٍ كَانَ حَالًّا أَجْوَزَ".
الفصل: وهذا كما قال يجوز السلم حالًا لأنه من الغرر أبعد والحظر فيه أقل، واستأنس بخبر عطاء بن أبي رباح المكي رحمه الله فإنه أجاز السلم حالًا. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجوز إلا مؤجلًا. وقال الأوزاعي: أقل الأجل ثلاثة أيام، وروي هذا عن مالك. وقال: لا يجوز عند مالك إلا إلى أجل له موقع كالشهر وأكثر. وعند أبي حنيفة يجوز إلى أجل قريب وهذا غلط؛ لأنه نوع معاوضة ليس من شرطه التنجيم فليس من شرطه التأجيل كالبيع، ويفارق الكتابة؛ لأن العبد عن الوفاء بأداء العوض حال العقد يقينًا، ووضعت على خلاف القياس، ولهذا يشترط فيها التنجيم عندنا.
فرع
لو شرط أن يكون حالًا كان حالًا، ولو أطلقا العقد ولم يذكر حالًا ولا مؤجلًا اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: لا يجوز العقد؛ لأن ما يختلف الثمن باختلافه لابد من شرطه كالأوصاف. وقد نقل المزني بعد هذا فقال: "وقال في كل واحدٍ حدًا وأجلًا معلومًا أو حالًا، فنص على أنه يقول: وحالًا، وهذا لأن الغالب الأجل في السلم. ومنهم من قال: يجوز [ق ١٠٣ ب] العقد ويكون حالًا؛ لأن مقتضى العقد يقتضي الحلول، وهذا أصح وكلام الشافعي محمول على التأكيد.