وروي أنه قال: كنت أسكب الوضوء لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فدنت الهرة, فأصغى لها الإناء فشربت, ثم قال هذا, فذلم لطهارة سؤرها بطهارة عينها, وقد ثبت ان ما سوى الكلب والخنزير طاهرة الأعيان, فاقتضى ذلك أن تكون طاهرة الأسار, وقد جعل الشافعي هذا الاستدلال بعينه علة في المسألة, فقال: ولعاب (٢٠٨ ب/١) الدواب وعرقها قياسًا على بني آدم, واحتج أيضٌا بقوله (صلى الله عليه وسلم): إذا سقط الذباب في الإناء فاملقوه, وتمام الخبر فإن في أحد جناحيه داء, وفي الآخرة دواء, وإنه تقدم الداء , وروي: فإن في أحد جناحيه سمًا, وفي الآخر شفاء, ووجه الاستدلال منه ما أشار إليه الشافعي من بعد, وهو أن الذباب لما أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمقله في الإناء دل على أنه ليس في الأحياء نجاسة إلا فيما وصفنا.
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يأتي أهل بيت من الأنصار فيدخل عليهم, وكان بقربهم أهل بيت لا يدخل عليهم, فشق ذلك عليهم قالوا: يا رسول الله تدخل
على بيت فلان ولا تدخل علينا, فقال: إن في بيتكم كلبًا فقالوا: يا رسول الله فإن في البيت الذي تدخل عليهم سنورًا فقال: إن السنور سبع وهذا إشارة إلى أنه ليس بنجس كسائر السباع.
وروي عن جابر بن سمرة قال: رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من جنازة أي الدحداح على فرس عري , والعري في غير ابن آدم هو كالعريان في ابن آدم, ووجه الدليل أنه لا يخلو عن العرق في حر الحجاز, فإن ثبت طهارة عرقه من غير كراهية كذلك سؤره, ولا حجة في (٢٠٩ أ/١) خبرهم, لأن الكلاب والخنازير هي داخلة في اسم السباع, ولأن الغالب أن السباع إذا ورت الماء بالت فيه وراثت, فلهذا أجاب بما أجاب.
وأما اللبن قال جمهور أصحابنا: لا خلاف أنه يحرم شربه, وهل هو طاهر؟ فيه وجهان, أحدها: هو طاهر كاللعب, وهو اختبار الأصطخري, والثاني: وهو الصحيح المنصوص أنه نجس, لأن اللبن معتبر باللحم فيما لا يمنع من أكله لحرمته, واللعاب لا يعتبر بتحريم الأكل بدليل سباع الطير والحشرات, ولهذا إن جوارح الطير بيضها نجس وسؤرها طاهر, قال ابن القطان من أصحابنا: هل يحل شربه؟ وجهان أحدها: ما ذكرنا, والثاني: يحل لأن الحمار كان مباح اللحم واللبن فورد الشرع بتحريم اللحم, ولم يرد النص في لبنه, وهذا ليس بشيء, والدليل على أن سؤر الهرة لا يكره خلاف قول أبي حنيفة, ما روى أن هرة أكلت من هريسة بين يدي عائشة (رضي الله عنها) ثم أكلت عائشة من حيث أكلت الهرة, وقالت إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم أكلت عائشة من حيث أكلت الهرة, وقالت إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال (إنها ليست