ويكون ضمان الأعيان يصح في أحد الوجهين وفي هذا نظر، وأما الوقت الذي يجوز أخذ الرهن فيه فله ثلاثة أحوال:
حالة بعد لزوم الحق وهو بعد وجود المبيع والقرض ونحو ذلك فيجوز أخذ الرهن فيها بلا خلاف. وحالة عند لزوم الحق وهو أن يقول: بعينه بألف وعندي هذا رهن به عندك، فيقول البائع: بعتكة بألف على أن ترهني عبدك هذا، فقال: اشتريت ورهنت يجوز لا يحتاج إلى أن يقول بعد ذلك ارتهنت، لأن الاستدعاء في الرهن قد وجد من البائع، ثم وجد الجواب، ثم لا يلزم هذا الرهن قبل القبض، فإن لم يقبض كان له فسخ البيع، وهذا إنما جوزناه للحاجة بأنه لم يعقده مع ثبوت الحق كان لمن عليه الحق بالخيار يبين أن يرهن وبين أن لا يرهن، وإذا شرطه في العقد صار من حقوقه إلا أنه لا يجبر عليه، ولكن متى امتنع ثبت له الخيار على ما ذكرنا، وقد قال أبو إسحاق العباس: يقتضي أنه لا يجوز [ق ١٦٢ ب] هذا الرهن، لأنه قبل لزوم الحق ولكن الشافعي - رحمة الله عليه - أجاره لوقوع الحاجة. فإن قيل: لم قال: "فكذلك كل حق لزم في حين الرهن" وما تقدم الرهن ومقتضى هذا اللفظ أن الرهن لا ينعقد حتى يكون الدين واجباً قبل عقد الرهن وفي حين عقد الرهن. قلنا: لا يشترط هذا لما بينا أن العقدين لو وقعا معاً كان جائزاً. ومعنى اللفظ في حين الرهن أو ما تقدم الرهن بإثبات الألف، وقيل: إن الشافعي قال بالألف، فغلظ المزني في النقل.
وحالة قبل العقد عقد الرهن مثل أن يقول: خذ عبدي هذا رهناً عندك على أن تقرضني غداً، ثم أقرضه في وقته أو غداً لا يجوز الرهن، لأنه ما سبق الحق لا يكون وثيقة به حين لزومه كالشهادة، فإذا لم يكن رهناً يكون أمانة في يده، لأنه مأخوذ يسوم الرهن والمأخوذ رهناً أمانة، فكذلك المأخوذ يستوفيه، وقال مالك وأبو حنيفة - رحمهما الله -: يصح ذلك رهناً إذا قبض الحق، ووافقنا مالك في أن الضمان قبل الحق لا يجوز فنستدل به ونقيس عليه.
فرع آخر
لو قال: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه يصح، وليس ذلك بوثيقة، بل هو بدل مال على عوض صحيح، كما يقول: طلق امرأتك وعلى ألف درهم، أو اعتق عبدك وعلى كذا، لأنا جوزنا هناك قبله لأنه لا يمكنه [ق ١٦٣ أ] ضمانه بعد إلقائه في البحر ولا مع إلقائه بخلاف الرهن. ولو أراد الرهن به أو الضمين قبل الإلقاء لا يجوز وبعد الإلقاء يجوز كلاهما لأنه استقر الضمان عليه.
فرع آخر
إذا جوزنا نفقة الزوجة في قوله القديم فهل يجوز أخذ الرهن به وجهان: