أمامها طاهر وبعدها طاهر؛ لأن لكل جرية حكم نفسها والماء الذي أمامها وبعدها غير الماء الذي هي فيه، أو يقول: ما بعدها ما وصلت إليه والذي قبلها ما وصل إليها، وأما التي هي فيه فهو الجريه، وما عن يمينها وشمالها إلى حافتي النهر فينظر، فإن كانت الجرية أقل من قلتين فهي نجسة، وإن كانت قلتين فصاعدًا في طاهرة.
قال القفال: إلا أن تكون بهذا لها عرض كبير، فالماء الذي في جابينه هو طاهر إذا كان متباعدًا عنها، وإنما ينجس منه قدر ما ينسل إليها، وكذلك لو تغير الماء الجاري بنجاسة خالطته فأتت جرية متغيرة وجرية غير متغيرة، فالمتغيرة نجسة [٢٢٠ ب/١] وغير المتغيرة طاهرة، وهذه الجرية المتغيرة هي بمنزلة نجاسة قائمة.
وقال ابن القاض في "المفتاح "قال الشافعي في "القديم ": لا ينجس الماء الجاري إلا بالتغيير. قال أصحابنا: العلة فيه أن الماء الجاري هو بمنزلة الماء الوارد على النجاسة؛ لأنه يحملها يجريانه عليها، والماء الوارد على النجاسة لا ينجس إلا بالتغير، والصحيح قوله الجديد، لأن ما لاقته نجاسة لا حاجة به إليها فتعتبر فيه القلتين كالماء الراكد.
الثانية: إذا كانت الجيفة راكدة في قرار الماء، والماء يجري عليها فالماء الذي قبلها طاهر والواصل إليها ينظر فيه، فإن كانت كل جرية تمر بالجيفة قلتين فصاعدًا فالكل طاهر، وإن كانت كل جرية أقل من قلتين فكل جرية يمر بها فهي نجسة، ولا يطر ما لم تمر بها ما دام جاريًا حتى ينتهي إلى موضع يركد فيه، فإذا اجتمع الراكد قلتين فهو طاهر، وهذا لأن هذه الجرية قد جرت بالنجاسة فنجست بها، وكل جرية بعدها مثلها، والماء الجاري عند الشافعي لا يكون كالمختلط، ولكل جزء منه حكم نفسه.
قال أبو العباس: فإن ورد هذا الماء الجاري على الجيف على ماء راكد واجتمعا وبلغا قلتين ولم يختلط طهرتا وإنما تبين هذا بأن يكون أحد الماءين صافيًا والآخر كدرًا [٢٢١ أ/١]؛ لأن الاعتبار باجتماع الماء الكثير لا بالمخالطة، ألا ترى أنه لو وقع رطل ماء نجس في قلتين طاهرتين فالكل طاهر، وإن لم يخلط يجميعه، وسئل أبو إسحاق عن هذه المسألة فقال: إن كان الماء شديد الجرية، فالماء الذي هو أمام الجيفة يجوز أن يستعمل من موضع يكون بينه وبين الجيفة مقدار القلتين، وبه قال ابن أبعن النجاسة بقدر قلتين، فأشبه إذا كان الماء راكدًا، والأول هو المذهب الظاهر، والفتوى عندي على ما قال أصحابنا الثلاثة والله أعلم.
والثالثة: أنه لو ورد الماء الجاري على ماء راكد في مفيص من هذا النهر وفي الراكد نجاسة، فإن كان متغيرًا فهو نجس، وإن كان غير متغير فهو نجس أيضًا حتى يبلغ قلتين، فيكون الكل طاهرًا، ولو وقفت الجيفة في الماء الجاري وسكون الموضع ردت الماء فلم يجر من فوقها، ولا من تحتها، فإن الماء الذي اجتمع وتراد وإن كان