والأصح أنه يجوز. فإذا قلنا: إنه لا يجوز فهل يبطل في الكل أو قدر الزيادة؟ وجهان. وإذا قلنا: إنه ضمان لا يجوز إلا أن يبين مقدار الحق الذي يرهنه به وجنسه، وهل هو حال أو مؤجل؟ فإذا قلنا: إن ذلك شرط أو قلنا: ليس بشرط ولكنه ذكره وعينه لا يجوز مخالفته، فإن خالفه نظر فإن خالفه في الجنس لم يصح الرهن قولًا واحدًا، وإن خالفه في الصفة فأذن له في المؤجل فرهنه في حال أو إلى مدة دونه فالرهن باطل، وإن خالفه في المقدار فأذن له في رهنه بمائة فرهنه بمائة وعشرة اختلف أصحابنا فيه؛ فمنهم من قال: يبطل في الزيادة، وهل في المقدار المأذون؟ فيه قولا بناء على تفريق الصفحة. ومنهم من قال: يبطل في الكل قولًا واحدًا، وعليه نص الشافعي؛ لأنه بمنزلة الوكيل إذا خالف في المقدار يبطل بيعه قولًا واحدًا، ألا ترى أنه لو أذن لرجل في بيع عشرة أقفزة من الطعام بدينار فباع أثني عشر قفيزًا لم يصح بيعه في الكل كذلك ههنا. وإن رهنه بأقل من ذلك جاز؛ لأنه أراد خيرًا لأنه إذا لم يخالف ورهنه بما أذن فيه [ق ٢٨٤ ب] من الجنس والمقدار والصفة، فهل للسيد أن يطالبه فكاكه قبل محل الحق؟ نص في "الرهن الصغير" علي قولين، وبني القولين على أنه عارية أو ضمان. فإذا قلنا: إنه عارية كان له مطالبته بفكاكه؛ لأن له أن يرجع في العارية في أي وقت شاء. وإن قلنا: ضمان ليس له أن يطالب المضمون عنه بفكاكه قبل محل الحق، كالضمان ليس له أن يطال المضمون عنه بخلاصه قبل محل الحق، ولا شك أنه يطالبه بفكاكه لأنه وإن كان ضمانًا توجه عليه المطالبة فيلزمه التخلص منه. فإذا قلنا: له أن يطالبه بفكاكه وقلنا: ليس له فكاكه قبل محل الحق فطالبه به، فإن قضى دينه وفكه رده علي سيده، وإن عجز عن قضاء دينه كان للمرتهن أن يطالب سيده ببيعه، فإن لم يفعل سأل الحاكم ببيعه، فإذا باعه قضى الدين من ثمنه كان للسيد أن يرجع علي الراهن بالضمان علي القولين؛ لأنا إن قلنا عارية فقد ملكت في يده. وإن قلنا: ضمان فقد ضمن عنه في رقبة عبده وغرم فله الرجوع عليه بما غرم.
وأما قدر ما يرجع عليه مبني على ما بيع فيه، وفيه ثلاث مسائل:
إحداها: بيع بثمن مثله، وكان ثمن مثله مائة رجع السيد بالمائة على القولين جميعًا.
والثانية: بيع بدون ذلك ولكن بما لا يتغابن الناس بمثله، مثل إن باعه بتسعين فبكم [ق ٢٤٩ أ] يرجع عليه؟ على القولين؛ إن قلنا: عارية رجع بالمائة؛ لأن العارية تضمن بقيمتها أبدًا. وإن قلنا: ضمان رجع عليه بتسعين لأنه ما غرم عليه إلا تسعين.
والثالثة: بيع بمائة وخمسين وقيمته مائة يبني على القولين؛ فإن قلنا: عارية ضمن مائة لا غير؛ لأنه قيمة العارية. وإن قلنا؛ ضمان رجع بمائة وخمسين؛ لأنه قد غرم عنه هذا القدر. هكذا ذكره جماعة أصحابنا.
وقال القاضي الطبري: يرجع بما باع قولًا واحدًا وإن قلنا عارية؛ لأن ثمن العبد ملك صاحبه وبيع العبد واجب عليه، ولهذا لو سقط حق المرتهن رجع العبد عليه، فإذا قضى بثمنه دينه رجع به عليه، وإنما يضمن القيمة إذا كان الثمن دونها وهذا صحيح.