ألفًا ثم اختلفا, فقال القاضي: قضيت الذي بالرهن, وقال المرتهن: بل قضيت أولف الذي بلا رهن ففيها ثلاث مسائل:
إحداها: أن يكون اختلافهما لفظ القاضي فقال المرتهن: أنت قلت حين القضاء هذا عن الذي بلا رهن, وقال الراهن: قلت في حال القضاء هذا عن الذي بالرهن فالقول قول القاضي مع يمينه؛ لأنه في الابتداء لو قال: أقضي الذي هو بالرهن لم يكن للمرتهن أن يمتنع منه, فإذا اختلفا بعد قضائه كان القول قوله مع يمينه, ولأنه هو الفاعل له فيرجع إليه في صفته كالمطلق يرجع إليه في مقدار الطلاق, ولأنه الألف ملكه فلا يزول ملكه عنه إلا على الصفة التي يدعيها, كما لو قال: بعتك عبدي بألف وقال: بل رهنته عندي فالقول قوله أنه ما اشتراه حتى لا يلزمه الألف.
والثانية: اتفقا على أنه ما نطق بشيء حين القضاء واختلفا في نيته فالقول قول القاضي لأنه أعلم بنيته.
والثالثة: اتفقا على أنه قضاه مطلقًا ولم يبين أحدهما في حال القضاء. قال أبو إسحاق: كان للقاضي أن يصرفه إلى أيهما شاء ولا يمين عليه في ذلك, كما لو طلق إحدى امرأتيه لا يعنيها له أن يجعله في أيهما شاء. وكذلك لو كان له مال حاضر ومال غائب فدفع الزكاة [ق ٢٦٤ ب] وأطلق له أن يعينها عن أحد المالين أيهما شاء, قال ابن أبي هريرة: تكون الألف عن الألفين نصفين؛ لأن كل واحد منهما مساوٍ للآخر في القضاء فلم ينصرف إلى أحدهما دون الآخر, ويفارق الزكاة لأنه لا مطالب بها فله الاختيار في الصرف إلى أيهما شاء, وههنا المرتهن مطالب بها, وأما الطلاق لا يمكن قسمته بين الزوجات بخلاف هذا والأول أصح, فإذا قلنا بقول ابن أبي هريرة: لو اتفقا بعد الدفع على أن تكون الألف قضاء من أحد الألفين فيه وجهان:
أحدهما: يجوز ذلك لأنه ما كان له قبل الدفع جاز بعد الدفع.
والثاني: وهو الأصح لا يجوز ذلك؛ لأن الإبراء قد حصل بالدفع فلا يجوز نقل دين بدين. وعلى ما ذكرنا قال أصحابنا: لو أقرض مشرك مشركًا بألفين فقضاه ألفًا, ثم أسلمنا فإن اتفقا على أنه دفع هذا عن الربح يقر عليه رأس المال, وإن اتفقا دفع رأس المال لم يبق عليه شيء لأنه ربح القرض يسقط بالإسلام. وإن اختلفا فالقول قول الدافع, فإن قال: لم يكن لي بينة له أن يصرف إلى أصل المال حتى لا يبقى عليه شيء على قياس قول أبي هريرة عليه نصف رأس المال وهو خمسمائة. وعلى هذا لو كان لرجلين على رجل ألف درهم فوكلا باستيفائه فدفع المديون خمسمائة [ق ٢٦٥ أ] إليه وقال: هي خاصة فلان فهي له كما قال وإن لم يقل ولم ينو نظر, فإن وكله الدافع ليكون وكيله في الإيصال إلى المستحق فله الخيار بعد ذلك, بل يقول: اصرفه إلى فلان. وكذلك لو كان عين أحدهما فله أن يصرف إلى الآخر, وإن كان لم يوكل لكن دفع إليه بحكم أنه وكيل المستحقين وأطلق, فعلى الوجهين: