ومعناه: أن الذي في يده الرهن من هذين الخصمين المتداعمين إن أقر بأن كل واحد منهما قد قبضه أبطل بهذا الإقرار دعواه ولزمه دفع الرهن إلى صاحبه ليكون رهنًا عنده, وذلك أن الرهن إذا كان الآن في يده وهو مقر أن صاحبه قد قبض استقينا أن قبض صاحبه قبل قبضه والمتقدم من القبضين هو الصحيح والمتأخر منهما غصب, قال أصحابنا: الذي رجع عنه المزني أصح لما بينا أن يد المرتهن لا تفيد شيئًا, وإن كان الرهن في أيديهم جميعًا, فإن نصف الرهن يكون للمقر له أولى به, لأنه قد اجتمع له في يده وإقرار الراهن, وهل حلف الراهن للآخر؟ قولان على ما ذكرنا. والصحيح أنه لا يحلف على ما ذكرنا, وفي النصف الآخر الذي صاحبه قد حصل له إقراره وحصل لصاحبه به فهل يكون الإقرار أولى أم اليد؟ قولان على ما بيناه فيكون الحكم في هذا القسم مرتبًا على ما ذكرنا قبله.
ومن أصحابنا من قال: نص الشافعي ههنا أن القول قول الراهن في جميع العبد [ق ٢٧٩ أ] وقال ابن أبي هريرة في النصف الذي في يد المرتهن الآخر على قولين, وهذا لا يصح لأنهما استويا في اليد وفضل أحدهما بالإقرار فكان الحكم له وهذه الطريقة أصح.
وقال أبو حامد: وفي المسألة التي قبلها إذا قلنا يحلف فنكل وحلف الآخر وقلنا: النكول مع رد اليمين يجري مجرى البينة على المدعى عليه يقتضي هذا القول أن يؤخذ الرهن من يد الأول وينقل إلى يد الحالف لو قامت له البينة بما يدعيه, وأصحابنا لم يذكروا هذا وعندي لا يصح هذا التخريج؛ لأن هذا يجري مجرى البينة في أحد القولين في حق الدعاء عليه إذا لم يكن هناك حق ثالث وههنا حق ثالث وهو المرتهن الآخر, فإن قيل: قلتم في المسألة الأولى: أصح القولين أنه لا يحلف وقد أقر الراهن لكل واحد من المرتهنين بقبضه كله, وهذا الإقرار إثبات حق لكل واحد منهما بلا تعيين فكيف تتوجه عليه اليمين إذا أبطل ما أثبت؟ قلنا: هذا الإقرار مطلق وليس الرهن في يد كل واحد منهما يترجح أحدهما على صاحبه باليد, ولا يبعد أن يرهنه عند واحد منهما ويسلمه إليه, ثم يرجع إليه للاستخدام فيرهنه عند الثاني ظانًا أن هذا الرهن يرد على الرهن ويسلمه إليه ثم يعود إليه للاستخدام فيعتبر لكل واحد منهما بقبضه كله [ق ٢٧٩ ب] فيكون صادقًا في إقراره على الظاهر صادقًا في تفسيره عند الاستفسار وحق الرهن والقبض للأول منهما دون الثاني إذ يستحيل أن يكون كل واحد منهما مرتهن كله بعقد صحيح فهذا في التفسير كالمؤتمن, ومعلوم أن المستودع إذا أضاف ملك الوديعة إلى مالك لم تتوجه عليه اليمين في تلك الإضافة كذلك ههنا, هذا كله إذا أقر الراهن لأحدهما فأما إذا قال: لا أعلم أنهما أول, فإن لم يدعيا علمه انفسخ الرهن, وإن ادعيا على حلف الراهن أنه لا يعلم أيهما أول قولاً واحدًا, لأنه لو رجع وبين .... قبل, فإن حلف انفسخ الرهن لأنهما عقدان أحدهما باطل لا بعينه فبطلا, كما لو زوج المرأة وليان ولم يعلم وعين السابق, ومن أصحابنا من قال: لا ينفسخ الرهن لأنه يمينه لم تكن لنفي الرهن بل كانت لنفي العلم فيكون الحكم كما لو نكل عن اليمين ينفسخ, وإن حلف أحدهما دون الآخر