ولم يكن للبائع الخيار في البيع الذي يشترط فيه الرهن. وإن قال: لا أسمح قلنا لهما: اتفقا على قدر الرهن، فإن اتفقا فلا كلام، وإن اختلفا فالقول قول الراهن مع يمينه سواء كانت الثمرة في يده أو في يد المرتهن.
وقال المزني:"القول قول من الثمرة في يده منهما". وهذا غلط؛ لأن يد المرتهن لا اعتبار بها، لأن يده يد الراهن فلا تقوى بها دعواه على الراهن. وقال بعض أصحابنا: ظاهر كلام الشافعي ههنا [ق ٢٨٢ ب] دليل على أن هذين القولين في البيع؛ لأنه قال: وفيه قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا:[يَفْسَدُ الرَّهْنُ كَمَا يَفْسَدُ الْبَيْعُ]، فأجاب في البيع مع الرهن، أن يقال: إذا صححنا البيع فالرهن أولى، وإن لم نصحح البيع ففي الرهن قولان.
والفرق أن الرهن نوع وبيعه ليس بمعاوضة كالبيع، وتأثير الجهالة في عقود المعاوضات أكثر من تأثيرها في غير المعاوضات.
كما لو رهنه حنطة فاختلطت بحنطة للراهن فكان القول قويه فاحتمل هذا التشبيه أن تكون مسألة الحنطتين إذا اختلطتا على قولٍ واحد في صحة العقد، وهذا أظهر الاحتمالين لأنه قاس عليه. ويحتمل أن تكون مسألة الحنطة كمسألة الثمرة في حكم القولين. فإن سوينا فلا فرق، وإن رتبنا فكيفية الترتيب أن يقال: إذا صححنا في الحنطة مع الاختلاط فالثمرة أولى، وإن لم نصحح في الحنطة ففي الثمرة قولان. والفرق أن الاختلاط في الحنطة فوق الاختلاط في الثمرة، والتمييز بغير القسمة ممتنع ميؤوس في جميع الأحوال، وفي الثمار ربما شاهدها شاهدان قبل الاختلاط فيقدران على التمييز بما عندهما من العلامة السابقة، فإن كانت صورة المسألة الثمار مثل صورة مسألة الحنطة حتى يكون التمييز ميؤوسًا على الإطلاق فالمسألتان سواء، ويتعذر [٢٨٣ أ] الفرق.
فإن قال قائل: قد قال الشافعي في المسألة السابقة:
"إِذَا رَهَنَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا لَمْ يَجُز الرَّهْنُ إِلاَّ أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ المُرْتَهِنَ إِذَا حَلَّ حَقُّهُ قَطَعَهَا وَبَاعَهَا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ"، وهذا يقتضي أن اشتراط القطع يجوز أن يكون على نوع من التأخير وإن كان مؤخراً كانت الآفات غير مأمونة مدة التأخير.
قلنا: كان الشافعي صوَّر المسألة في حض رجل لم يبق من أجله إلا زمان قليل ينقضي عن قريب والثمرة لم تدرك، والغالب من ذلك الزمان القريب الأمن من الآفات، فإذا اشترط قطعها عند المحل كان صحيحاً، وإن كان بخلاف ذلك لا يجوز.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: في البيع قولان؛ قبل القبض، وفي الرهن لا فرق أن يكون قبل القبض أو بعده، والفرق أن القبض في البيع بقطع العلائق فيكون القول قول