أحدهما: تحل عليه, وبه قال مالك؛ لأنه حديث حالة تعلقت حقوق الغرماء بأعيان ماله فوجب أن تحل الديون المؤجلة كما لو مت.
والثاني: لا تحل عليه - وهو الأصح- وبه قال أبو حنيفة, واختاره لأنه معنى لا يقطع تصرفه في ذمته فلا يجب حلول الدين المؤجل كنفس الإفلاس قبل الحجر.
والفرق بينه وبين الموت, أن الرجل إذا مات بطلت ذمته ولا يملك بعد الموت شيئًا, والمحجور عليه ذ ذمة والأجل محل الذمة فلا يسقط ما لم تخرب وخرابها بالموت.
فإن قلنا: لا تحل قسم ماله بين الغرماء الذين ديونهم حالة, فإن كانت أعيان ماله لأصحاب الديون المؤجلة هل تباع في حق أصحاب الديون الحالة؟
المنصوص أنها تباع في حقهم, لأنه مال من أموال المفلس كسائر أمواله, ومن أصحابنا من قال: لا تباع في حقهم, وأشار إليه الشافعي في "الإملاء" وشبه بالرهن في يديه حتى يحل الحق فيطالبه بالثمن أو يرجع فيه ويعاد الحجر عليه لأجلهم إن طلبوا ولا القياس, وإذا قلنا تحل عليه الديون المؤجلة [ق ٣٢٧ أ] صارت كلها حالة, فمن كان له عين ماله فله الرجوع فيه, ومن لم يكن له عين مال ضارب الغرماء بالثمن, وهذا هو المذهب؛ لأن الشافعي شبهه بالميت على هذا القول فكان حكمها سواء.
وقال أبو إسحق وابن أبي هريرة: إن كان دينه في ذمته ضرب مع الغرماء بحصته, وإن كان مبيعًا في يديه يعزل من جملة ماله إلى أن ينقضي الأجل ولا يدفع إليه في الحال, ثم ينظر فإن كان المشتري أفاد مالًا قبض منه ثمنه, وإن لم يفد مالًا كان أحق بعين ماله.
وقال صاحب "الإفصاح": العين والدين سواء في هذا, وهو أن يعزله من ماله ولا يدفع إليه شيئًا إلا بعد حلول الأجل.
ومعنى قولنا: "تحل ديونه" أي يضارب الغرماء, فأما القبض فلا يجوز إلا بعد مضي أجله, وهذا كله تخليط, وليس للشافعي في التفريع على هذا القول نص, والذي يقتضيه مذهبه كما ذكرنا.
وإن قال قائل: قال الشافعي في "الإملاء": ولا يفسخ البيع حتى يحل أجله مفلسًا, لأنه يمكن أن يؤسر قبل الأجل, قال أبو إسحاق في "الشرح": هذا على القولين جميعًا.
قلنا: هذا الفول الذي يقول يحل الدين وعلى هذا حمله المزني في "المختصر" فبطل ما قاله أبو إسحاق وصاحب "الإفصاح" وهذا لأن الدين إذا حل لا معنى للحبس على الأول.
وإن كانت الديون كلها [ق ٣٢٧ ب] مؤجلة لا يختلف المذهب أن الحاكم لا يحجر عليه سواء ظهرت أمارات الفلس أو لم تظهر؛ لأنه لا مطالبة لهم في الحال, ولا يصح الحجر إلا بمطالبة الغريم.
فرع
إذا مات وله ديون مؤجلة قد ذكرنا أن الأجل يسقط, وبه قال عامة الفقهاء, وقال