والثاني: لا ينفك إلا بحكم الحاكم؛ لأنه ثبت بحكمه فلا يزول إلا بحكمه وهذان الوجهان مبينان على أن حجره كحجر المرهون, أو كحجر السفيه, وإن كان مكتسبًا لا يجبره على أو يؤاجر نفسه لتؤخذ أجرته وتصرف إلى غرمائه [ق ٣٢٨ ب] كما لا يجبر على خلع زوجته على مال أو على قبول الهبات.
وحكي عن عمر بن عبد العزيز, ومالك, وعبيد الله العنبري, وأحمد إسحاق: يجبر على أن يؤاجر نفسه وتقضي من أجرته باقي ديونه.
وروي عن مالك أنه قال: هذا فيمن عادته أن يؤاجر نفسه, واحتجوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم باع سرقًا في دينه وكان رجلًا دخل المدينة وذكر أن وراءه مالًا فداينه الناس فركبته ديون ولم يكن له مال, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسماه سرقًا وباعه بخمسة أبعرة.
ومعناه باع منافعه وآجره, فإن بيع الحر لا يجوز, وهذا غلط لما ذكرنا من خبر أبي سعيد الخدري.
واحتج الشافعي فقال: "وذو العسرة ينظر إلى ميسرة".
ويشير به إلى قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠]؛ ولأنه إذا أعتق شركًا له في عبد لم يجب أن يؤاجر نفسه ليقوم عليه الباقي كذلك ها هنا, ولأنه مكتسب للمال فلا يجبر عليه, وأما خبرهم قلنا: منسوخ بالإجماع؛ لأن البيع وقع على رقبته, ولهذا قال غرماؤه للذي يشتريه: ما تصنع به؟ فقال: أعتقه فقالوا: لسنا بأزهد منك في إعتاقه فأعتقوه.
مسألة:
قال: "ويترك له من ماله قدر ما لا غنى به عنه".
الفصل:
الحاكم إذا أراد قسمة ماله [ق ٣٢٩ أ] بين غرمائه لا يجوز أن يستلب جميع ماله حتى لا يبقى شيئًا؛ لأن له من ماله حقًا كما أن للغرماء فيه حقًا فينفق عليه وعلى من يلزمه نفقته من ماله من يوم الحجر إلى أن يباع عليه ماله ويقسم بين غرمائه. وكذلك اليوم الذي يقسم فيه ماله لأنه كان غنيًا في أول هذا اليوم فوجب أن ينفق عليهم, وفقرة لا يتحقق قبل قسمة ماله ويكون مقدمًا على حقوق الغرماء, وكذلك كسوته وكسوة من تلزمه كسوته, والكسوة أقل ما يكفيه في الصيف والشتاء, فأما في الصيف فقميص وسراويل ونعل.
قال الشافعي: "وعمامة" يريد بها المنديل, وإن كان له عادة بالإزار فيها إزار,