للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلان ولا وارث له سواه تسمع إذا كانوا من أهل الخبرة الباطنة, وإن كان على النفي.

فإذا تقرر هذا, فادعى الغريم أن له مالًا باطنًا يخفي على الشاهدين يحلف مع الشاهدين لجواز أن يكون له مال في الباطن قد خفي عليهما, ثم هذه اليمين هل تجب أم تسحب؟ قال في "القديم" وحرملة: تستحب, وقال في "الأم" ونقله المزني: أنها واجبة فالمسألة على قولين:

أحدهما: واجب لما ذكرنا ولا يؤدي إلى تكذيب الشهود.

والثاني: مستحبة لأن فيه طعنًا على البينة إذ شهدت بأنه لا مال له فصار كما لو شهدوا على إقرار رجل بشيء, فقال المشهود عليه: حلفوه أني أقررت له "يحلف, والأول أولى لأنه لو كان فيها طعن على الشهود لما استحب التحليف أيضًا كما في مسألة الإقرار, وقال أبو حنيفة: لا يحلف أصلًا, وقال بعض أصحابنا [ق ٣٣٣ أ] بخراسان: يشترط ها هنا ثلاثة شهود على الإعسار ولا يكفي اثنان, ولعل هذا القائل قال: هذا من قوله صلى الله عليه وسلم في خبر قبيصة "حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجة من قومه" وهذا غلط لأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم استفاضة حاله بقولهم لا على طريق الشهادة حتى لو استفاض ذلك بقول واحد أو بقول نسوة أو عبيد يكفي في جواز دفع الصدقة, وإن لم تقم البينة وقال: إن غريمي يعلم هلاك مالي أو يعلم إعساري وإنه لا مال حلف الغريم على العلم بالله الذي لا إله إلا هو أنه لا يعلم إعدامه وهلاكه, فإذا حلف حبس نظرًا للغريم في حبسه ولا غاية لحبسه أكثر من الكشف, فإذا عرف بعد ذلك حاله في الإعسار حرم تطويل حبسه؛ لأن المقصود ماله لا تعذيبه, وقال أبو حنيفة رحمه الله في رواية: الأصول لا تسمع بينة الإعسار في الحال بل يحبس شهرين, ثم تسمع البينة على إعساره.

وروي عنه رواية شاذة يحبس أربعة أشهر, رواه الحسن بن زياد, وروى محمد عنه ستة أشهر.

وقال الطحاوي: يحبس شهرًا, وروي عنه يحبس ثلاثة أشهر, وربما يقولون: ليس له غاية فيحبس قدرًا يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال [ق ٣٣٣ ب] لظهر بما لحقه من الضجر بالحبس, ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس, فمنهم من يضجر بمدة يسيرة, ومنهم من لا يضجر إلا بمدة طويلة, وربما يقولون بحبسه حتى يختبر الحاكم حاله, فإن أمكنه ذلك في مدة يسيرة فعل, وإن لم يمكنه ذلك لكثرة أسبابه إلا في مدة طويلة فعل, ثم قال أبو حنيفة بعد هذا كله لا يتحقق الفلس بحال, واحتج عليه الشافعي رحمة الله عليه - بقوله تعالى {وإن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] فلو كانت العسرة لم تتحقق لما أفاد الأمر في هذه الآية فائدة, والدليل على بطلان ما ذكره من المدة أن كل سنة جاز سماعها في الحال كسائر البينات, وإن كان الدين ثبت عليه بما لا عوض له من إتلاف أو صداق امرأة أو كفالة, ونحو ذلك لا يخلو من أحد أمرين؛ إما أن يكون قد عرف له مال أو لا؛ فإن عرف له مال فالحكم فيه على ما مضى لأن الظاهر

<<  <  ج: ص:  >  >>