ثم قال:"أو بئر" وهذا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم "توضأ من بئر بضاعة"، ثم قال:"أو سماء" وأراد به ماء المطر، وسمي سماء لأنه يمطر من السماء وهو السحاب ثم قال:"أَوْ بَرَدٍ أَوْ ثَلْجٍ" قيل: فيه خلل؛ لأن الشافعي قال:"أَوْ ثَلْجِ أُذِيب"، ونقل المزني ذلك، وهذا لا يصح؛ لأن هذا معطوف على قوله:"فَكُلَّ مَاءٍ مِنْ بَرَدٍ أَوْ ثَلْجٍ".
فإذا تقرر هذا، فلا شك في جواز التوضئ بالماء الذائب منها، لأنه ماء منعقد في الحقيقة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:"اللهم اغسلني بالثلج والبرد".
فرع
لو أخذ الثلج أو البرد وأمره على وجهه على هيئته، فإن كان الهواء حرًا يذوب ويسيل عليه جاز، وأن لا يجري عليه لا يجوز. وقال الأوزاعي: يجوز، وهذا غلط؛ لأنه مأمور بالغسل وهذا ليس بغسل، ولو مسح به رأسه جاز لأنه يذوب منه شيء بحرارة الرأس وإن قل، يكفي ذلك.
فرع آخر
لو كان الثلج في إمراره على الأعضاء يذوب [٢١ ب/ ١] عليها، ثم يجري ماؤه عليها، ففيه وجهان: أحدها: يجوز والثاني: لا يجوز؛ لأنه بعد ملاقاة الأعضاء يصير جاريًا، والأول أظهر عندي.
فرع آخر
الماء الذي ينعقد منه الملح لجوهر في الماء دون التربة، كأعين الملح الذي ينبع ماء مائعًا ويصير لجوهره ملحًا جامدًا. قال جمهور أصحابنا، وهو المذهب: يجوز التوضئ به؛ لأنه ماء حقيقة، ولا يضر جموده كما يقول في الجليد والبرد. وقال بعض أصحابنا، وهو اختيار الإمام أبي سهل الصعلوكي: لا يجوز التوضأ به؛ لأنه جنس آخر غير الماء كالنفط والقير، ولأنه يخالف طبعه طبع الماء، فإن الماء يتجمد في الشتاء ويذوب في الصيف، وهذا الماء يتجمد في الصيف.
ثم قال:"مُسَخَّنٍ وَغَيْرِ مُسَخَّنٍ فَسَوَاءٌ". وهذا صحيح عندنا لا يكره التوضئ بالماء
المسخن. وحكي عن مجاهد أنه قال: يكره ذلك، وهذا غلط؛ لما روى ابن عباس- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حمامًا بالجحفة وهو محرم. وروي عن شريك بن عبد الله أنه قال: أجنبت وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعت حجارة وسخنت ماء وتغسلت، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكر علَّي.