وقد ارتفعت بينهما خصومه، فقال النبي صلي الله عليه وسلم لكعب: "خذ منه الشطر ودع الشطر".
وأما الأثر فيما روى الشافعي عن عمر رضي الله عنهما: أنه قال في عهده إلي أبي موسي الأشعري: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراماً أو حرم حلالاً.
وروي أن أكثر قضايا عثمان رضي الله عنه كانت صلحاً.
وقد قيل في تأويل قوله تعالي: {وآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطَابِ} [ص:٢٠] ثلاثة تأويلات:
أحدها: الصلح بين الخصوم.
والثاني: فصل الحكم بنفسه من غير استحلاف فيه.
والثالث: سرعة القضاء وبت الحكم.
وأما الاتفاق فهو إجماع المسلمين علي جواز الصلح وإباحته بالشرع.
وإنما اختلف أصحابنا هل هو: رخصة لاستثنائه من جملة محظورة. أو هو: مندوب إليه لكونه أصلاً بذاته؟ علي وجهين:
أحدهما: وهو ظاهر قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة انه رخصة لأنه فرع لأصول يعتبر بها في صحته وفساده وليس بأصل بذاته فصار لاعتباره بغير رخصة مستثناة من جملة محظورة.
الثاني: واليه ذهب أبو الطيب بن سلمه أنه مندوب إليه لكونه أصلاً بذاته قد جاء الشرع به وجرى العمل عليه وقد أشار إلي القول به أبو حامد.
فصل
فأما قوله الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً فقد اختلف أصحابنا فيه.
هل هو عام أو محمل علي وجهين:
أحدهما: أنه محمل وهو قول من جعله معتبراً بغيره ولم يجعله أصلاً بذاته.
والثاني: أنه عام وهذا قول من جعله أصلا بذاته.
فأما الصلح الذي يحرم الحلال فهو: أن يصالحه علي دار علي أن لا يسكنها، أو يصالح زوجته علي أن لا يتزوج عليها، أو علي أن لا يطلقها فيحرم علي نفسه بالصلح ما أحله الله تعالي له من السكني والنكاح والطلاق.
وأما الصلح الذي يحل الحرام فهو: أن يصالحه من الدراهم علي أكثر منها، أو علي دنانير مؤجلة أو علي خمر أو خنزير.
فيستحل بالصلح ما حرم عليه من الربا والخمر والخنزير.