ذلك دليلاً على ملكه.
وكذلك لو ادعى خصًا وكان إلى أحدهما معاقد القمط لم يكن ذلك دليلاً على ملكه وهو قول أبي حنيفة.
وجعل أبو يوسف ومحمد هذه دلائل على الملك وهو قول بعض أهل المدينة.
استدلالاً بما روي أن رجلين تنازعا جدارًا بينهما فأمر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة أن يحكم فحكم بالجدار لمن إليه معاقد القمط فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبت.
قالوا: لأن العادة جارية في بناء الحائط أن يكون وجهه إلى مالكه وظهوره إلى غيره ومعاقد الخص تكون إلى مالكه فوجب أن يحكم بظاهر العادة.
كما يحكم في اتصال البنيان.
وهذا خطأ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "البَيِّنَةُ عَلَى المُُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ".
ولأن هذه أمور قد يقصد بها في البناء والجمال.
فربما أحب الإنسان أن يجعل أجمل بنيانه، وأحسنه إلى منزله، وربما أحب أن يجعله خارجًا فيما يراه الناس.
فلم يجز مع اختلاف العادة فيه في سائر الأغراض أن يجعل دالاً على الملك كالتزاويق والنقش لا يكون وجوده من جانب أحدهما دليلاً على ملكه كذلك ما ذكرناه.
فأما الجواب عن الخبر فهو أنه ضعيف لأن رواية دهثم بن قران وهو مرغوب عنه. فإن صح لم يكن فيه دلالة. لأنه لم يجعل معاقد القمط علة في الحكم وإنما جعل تعريفًا لمن حكم له كما لو قيل حكم للأسود لم يدل على أن السواد علة للحكم وإنما يكون سمة وتعريفًا لمن وجب له الحكم. وأما ادعاؤهم العرف لمعتاد فيه فغير صحيح لما ذكرنا من اختلاف الأغراض فيه.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وَلَوْ كَانَ لأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ وَلاَ شَيْءَ للآخَرِ عَلَيْهِ أَحْلَفْتُهُمَا وَأَقْرَرْتُ الْجُذُوعِ بِحَالِهَا وَجَعَلتُ الجِدَارِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَرْتَفِقُ بِجِدَارِ الرَّجُلِ بِالجُذُوعِ بِأَمْرِهِ وَغَيْرِ أَمْرِهِ".
قال في الحاوي:؛ وهذا كما قال: إذا تنازع الجاران حائطًا بينهما وكان لأحدهما عليه جذوع فهما فيه سواء.
قال أبو حنيفة: صاحب الجذوع أحق به إذا كانت جذوعه ثلاثة فصاعدًا فإن كانت أقل من ثلاثة وكان بدل الجذوع متصلاً فيهما فيه سواء استدلالاً بأن وضع الجذوع أوكد من اتصال البناء. لأن وضع الجذوع يثبت يدًا وارتفاقًا واتصال البناء يثبت أحدهما وهو الارتفاق دون اليد فلما كان اتصال البناء إلا على الملك كان وضع الجذوع أولى بأن يدل على الملك.