لأن المعاوضة تحرس من الجهالة ثم اختلف أصحابنا فيه إذا انتفت الجهالة عنه هل يكون بيعًا أو إجارة، على وجهين:
أحدهما: يكون بيعًا وهذا قول أبي حامد المروروزي. فعلى هذا يصح على التأييد من غير اشتراط مدة فيه ومتى انهدم الحائط ثم بني أعيد وجهًا واحدًا. بخلاف العارية التي لا يمنع من صحتها الجهالة بمدة منفعتها.
والثاني: وهو عندي أصح أن يكون إجارة ولا يكون بيعًا.
لأنه عقد على منفعة لا عين. فعلى هذا لا يصح إلا باشتراط مدة معلومة تتقدر بها المنفعة ويؤخذ بقلع ذلك عند انقضائها.
وعلى الوجهين معًا أن قدر ذلك بمدة صح وكان إجارة، وهكذا لو صالحه على إجراء مسيل ماء في أرضه فلا بد من تعيين موضعه وتقدير طوله وعرضه ثم إن قدر بمدة صح وكانت إجارة وإن لم يقدره كان على وجهين:
أحدهما: أن يكون بيعًا لما حد من الأرض لإجراء الماء فيه على التأييد.
والثاني: يكون باطلاً إذا قيل إنه يكون إجارة.
وأما إن صالحه على ما سقي ماشيته من عين أو بئر مدة معلومة لم يجز لأن قدر ما تشربه الماشية مجهول. وهكذا الزرع ولكن لو صالحه على نصف العين أو ثلثها جاز وكان بيعًا لا يحتاج إلى تقدير المدة فيه لأنه عقد على عين. ولو قدره بمدة خرج عن البيه إلى الإجارة فكان باطلاً لأن إجارة عين الماء منها لا يجوز.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وَلَمْ أَجْعَلْ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ كَوَّةً وَلاَ يَبْني عَلَيْهِ إِلاَّ بِإذْن صَاحِبِهِ".
قال في الحاوي: وهذا كما قال: إذا كان الحائط بين شريكين لم يكن لأحدهما أن يقتح فيه كوة ولا يضع فيه جذعًا ولا يسمر فيه وتدًا إلا بإذن شريكه.
وجوز العراقيون لأحد الشريكين أن يفعل في الحائط ما لا يضر به من فتح كوة وإيتاد وتد اعتبارًا بالعرف المعتاد فيه بين الناس وهذا خطأ لأمرين:
أحدهما: أن تفرد أحدهما بالتصرف في ذلك غير جائز.
والثاني: أنه هدم بعض الحائط فلم يجز كالباب.
فإن قيل فهلا كان كوضع الجذوع فيه فيكون على قولين:
قيل: الفرق بينهما أن الحائط موضوع للحيلولة ووضع الأجذاع فيه لا يمنع من الحيلولة.
وفتح الكوة يمنع منها. فلو آذن أحدهما لصاحبه في فتح كوة ثم أراد سدها لم يكن له ذلك إلا بإذن شريكه. لأن زيادة بناء على حائطه. والشريكان في الحائط لا يجوز