الأغصان رطبة لينة عطفها إلى داره. وإن كانت يابسة لا يمكنه عطفها أو كانت رطبة قوية لا يقدر أن يلويها قطعها, وقال أصحابنا: للجار أن يقطعها بنفسه إذا لم يقطعها صاحب الشجرة, ولا يلزمه أن يمضى إلى الحاكم ليطالبه بذلك كما لو دخل رجل داره له إخراجه من داره ومقاتلته عليه, وإن أدى إلى قتله ولا يحتاج إلى الحاكم, وكذلك إذا دخلت بهيمة دار رجل له إخراجها من ملكه من غير حاكم.
وقال بعض العراقيين: يضمن ذلك إذا قطع بغير حاكم وهو غلط لما ذكرنا, وإن كانت الأغصان رطبة خفيفة يمكنه أن يثنيها إلى الشجرة ويشد معها فقطعاه بثمن ما نقص من قيمة الشجرة لأنه كان يمكنه إزالتها من غير قطع. وحكي أن رجلًا سأل أبا حنيفة عن هذه المسألة فقال: سجر تنوراً في ملكه تحتها فأكنه علمه الحيلة لتحترق الأغصان أو تصير يابسة ولم يجوز القطع.
قال الإصطخري: كذلك إذا مال حائط إلى دار الغير فلصاحب الدار مطالبته بإصلاح الحائط لأنه شغل هواء داره فجرى مجرى الأغصان. وإن تشبعت ولم يمل يكن له مطالبته بإصلاحه. وإن اصطلحا على أن يقر أغصانها في داره بعوض نظر, فإن كان غير معتد على حائط الجار لا يجوز لأنه عقد على الهواء المجرد. وإن كان معتمدًا على حائطه وخارجًا إلى هواء داره نظر, فإن كان رطبًا يزيد لم يجز لأنه غير معلوم, وإن كان جافًا يجوز لأنه معلوم والهواء تابع للحائط وهو كجذع يضعه عل جداره في موضع معلوم ومال معلوم هكذا ذكر جماعة أصحابنا.
وقال في "الحاوي": إذا كانت [٢/أ] رطبة فيه وجهان أحدهما: ما ذكرنا, والثاني: يجوز وما يحدث من الزيادة يصير تابعًا لا يبطل العقد جهالته كجهالة المرافق في بيع الدار وهكذا قول أكثر البصريين, ثم هل يكون حكمه حكم البيع أو الإجازة؟ قد ذكرنا من قبل.
فرع
لو أن عرق شجرة رجل أخرج شجرة في ملك الغير فهي لصاحب الشجرة الأصلية كالزرع لصاحب البذر. وقال أبو حنيفة: هي ملك صاحب الأرض التي خرجت فيها, حكاه بعض أصحابنا بخراسان عنه. وهذا غلط لأن الأصل له فالفرع له.
فرع آخر
قال القاضي أبو حامد رحمه الله: سئل أبو إسحاق المروزى عن شجرة الأترج إذا انتشر غصنها إلى ملك رجل ودخل رأس الغصن في برنية له وانعقدت فيه أترجة فكبرت ولم يمكن إخراجها إلا بقطع الغصن والأترجة أو كسر البرنية, فقال: الواجب قطع الغصن والأترجة لتسلم البرنية لأن الغص لما شرع في ملك غيره كان مأخوذًا بإزالته, فلما لم يزله صال متعدياً به فوجب أن يلتزم حكم تعديه, ويكون القطع المتقدم واجبًا عليه, وليس من صاحب البرنية تعدٍ في وضعها في ملكه. فقيل لأبى حامد: ما تقول