يريد نقل حقه من محلَّ [٩/ب] إلى محل آخر فيعتبر رضاه. وقال القفال: فيه مبنيان على أنها مبادلة أو استيفاء فإن قلنا: مبادلة يعتبر رضاه، لأن الإقراض لا يجوز إلا بالقضاء، وإن قلنا: استيفاء لا يعتبر. واختلف أصحابنا في حكم الحوالة فمنهم من قال: الحوالة بيع وهو أن المحيل يشتري ما في ذمته بماله في ذمة المحال عليه، والمحتال يتشري ما في ذمة المحال عليه من المحيل بماله في ذمته وهذا هو المنصوص عليه في كتاب "السلم"، وقال في كتاب "البيوع": لو حل عليه طعام فأحاله به على رجل له عليه طعام وأسلفه إياه لم يجز من قبل أن أصل ما كان له بيع وإحالته به بيع فجعل الحوالة بيعًا ولكن المقصد منه الرفق دون الفضل والربح، ولا ينعقد بلفظ البيع ويدخله خيار المجلس دون خيار الثلاث على ما ذكرنا، ويكون بمنزلة المبيع المقبوض بدليل جواز التصرف فيه قبل القبض.
ومن أصحابنا من قال: هي إسقاط حق بعوٍض على طريق الرفق المعروف لأنها لا تجوز بلفظ البيع ولا تجوز الزيادة فيها والنقصان، وهي مشتقة من التحويل. ومن أصحابنا من قال: هي قبض وإقباض فكأنه قبض من المحيل وأقرض المحال عليه.
وقال القاضي الطبري: ليس لهذا الخلاف فائدة أكثر من ثبوت خيار المجلس فإني لا أعرف بين أصحابنا خلافًا فإن الحوالة بالطعام الذي في الذمة بعقد السلم لا يجوز وسائر أصحابنا ذكر فوائد لهذا الخلاف على ما سنذكر إن شاء الله تعالى
ثم إذا قلنا: إنه بيع هل هي في حكم بيع دين بدين خصَّ بالشرع أو في حكم بيع عين بدين وجهان، وعلى كلا الوجهين لا يدخلها خيار الثلاث. وقال في "الحاوي": هل تجوز الحوالة بالسلم؟ وجهان بناًء على الوجهين أنها بيع أو عقد بإرفاٍق. والصحيح أنها لا تجوز وجهًا واحدًا لأن الحوالة لا تجوز إلا في حق مستقر والمسلم فيه غير مستقر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) فالحوالة مفاوضة فلا يجوز إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه. واعلم أن الحق الذي تصح فيه الحوالة هو كل ما يثبت مثله بالإتلاف في الذمة كالدراهم [١٠/أ] والدنانير والحبوب والأدهان فأما ما يضمن بالقيمة في الإتلاف كالثياب والحيوان لا تصح فيه الحوالة لأن المثل فيه لا يتحقق، ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف، وهذا هو المشهور.
ومن أصحابنا من قال: تصح الحوالة في كل مال يثبت في الذمة من الثياب وغيرها، وثبوته إنما يكون في القرض والسلم، ففي القرض تجوز الحوالة وفي السلم لا تجوز لما ذكرنا، فيعتبر شرطان، وأن يكون مستقراً في الذمة.