قلنا: يحتمل أنه قال في رجل فرط في قضائه مع الميسرة أو نوى ترك القضاء أو استدان فيما لا يرضاه الله تعالى. وفي الخبر الذي ذكرنا دليل أيضًا على أن المديون يخرج عن صفة المطل والظلم بالإحالة كما يخرج بالقضاء عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عقب الظلم بالحوالة وأمر المستحق بقبولها. وفيه دليل أيضًا على أن صاحب الدين مأمور من جهة الندب بقبول الحوالة، وإنما يكون مندوبًا إذا أحيل على ملء. ثم حكى الشافعيعن محمد بن الحسن أنه احتج بأن عثمان رضي الله عنه قال في الحوالة أو الكفالة: يرجع صاحبها لا توى على مال مسلم. قال الشافعي:«وهو عندي يبطل من وجهين»، ولو صح لما كان له فيه حجة لأنه لا يدري قال ذلك في الحوالة أو الكفالة. وقوله: وهو عندي يبطل من وجهين اختصار مشكل، وتفسير أحد الوجهين أن راوي هذا خليد بن جعفر وهو مجهول جدًا.
والثاني: أن خليدًا رواه عن إياس بن معاوية بن قرّة عن عثمان وإياس ما رأى عثمان رضي الله عنه. ثم أجاب بأنه لا يدري، قال ذلك في الحوالة أو الكفالة، وعندنا يرجع في الكفالة فبطل الاحتجاج به. ثم أصحابنا عارضوا بما روي أنه كان لحزن جد سعيد بن المسيب على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه مال فسأله أن يحيله على آخر فأحاله فمات المحال عليه فرجع إلى عليّ فقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: اخترت علينا غيرنا أبعدك الله فدل أنه ليس له الرجوع المحيل بحال. فإذا تقرر هذا لو لم يعلمه المحتال مفلسًا فظهر مفلسًا بعد قبوله الحوالة لا رجوع له وكذلك لو غره وقال له: إنه هذا المحال عليه مليء وفي فقبل الحوالة ثم بان فقره لا يرجع، وقال مالك: يرجع [١٢ ب/ ٨] عليه غره أم لم يغره إذا لم يكن علم بإعساره. واحتج بأن الظاهر السلامة والإعسار عيب فصار كما لو وجد بالمبيع عيبًا له الخيار. وهذا غلط، لأن الأصل الإعسار لا اليسار ولأنه لو حدث الإعسار قبل قبض الحق لا رجوع بخلاف ما لو حدث العيب بالمبيع قبل القبض فدل على الفرق.
وقال ابن سريج: إذا غره يرجع عليه والذي نقله المزني لا يعرف في شيء من كتب الشافعي، وغلط في نقله لأنه بمنزلة سلعة يشتريها ثم يجد بها عيبًا له ردها، وهذا اختيار أبي حامد، وقال أيضًا: هو كما لو شرط البكارة في شراء الجارية ثم وجدها ثيبًا له الرد لا للعيب، ولكن للخلف في الشرط، وكذلك لو شرط كون العبد المبيع كاتبًا أو خبازًا فلم يكن له الرد. وقال سائر أصحابنا: وهو الصحيح الأمر على ما قال المزني، وهو ثقة في النقل والدليل عليه أنه لو وضعه أنه غير مطولٍ فوجده مطولًا فله