منه لا شيء عليه، لأنهما اتفقا على براءته، فإن المحيل يقول: كنت وكيلي فلا ضمان عليك فيما تلف في يدك والمحتال يقول: تلف مالي. وإن كان قد أتلفه كان عليه ضمانه وقد وجب عليه مثل حقه فيتقاضان. وإن لم يكن قبضه من المحال عليه لم يكن له مطالبة المحال عليه بالمال، لأن الحوالة لم تثبت له، والوكالة قد أنكرها فلا تكون له المطالبة بوجه وللمحيل مطالبة المحال عليه بالمال الذي في ذمته، وهل يجوز للمحتال مطالبة المحيل؟ وجهان:
أحدهما: لا مطالبة له لأنه أقر أنه لا حق له في ذمته.
والثاني: له مطالبته لأن الحاكم قد حكم بأنه كان وكيلًا فله أن يرجع بما له على المحيل؟ ولو خالف وقبض هل يضمن؟ وجهان، بناء على أنها هل تكون حوالة فاسدة؟ أو وكالة فاسدة؟ فإن قلنا: حوالة فاسدة يضمن، وإن قلنا: وكالة فاسدة لا يضمن، ذكره في «الحاوي».
وقال بعض أصحابنا بخراسان: إن كان في الابتداء لفظ الحوالة فالقول قول المحتال قولًا واحدًا، وصورة ما ذكر المزني أنه قال: اقبض من فلان ما لي عليه وهو ألف درهم ثم اختلفا ماذا أراد به الحوالة أو الوكالة، فالقول قوله إنه أراد الوكالة، وإنما يفيد هذا الاختلاف إذا كان الآمر قد أفلس فلو ثبتت الحوالة لكان حق المحتال قد وصل اليد ولم يحتج إلى مزاحمة الغرماء. وإن كانت وكالة احتاج إلى مزاحمة الغرماء. فإن قال قائل على هذا لمَ صور المزني المسألة بلفظ الحوالة، وقال في آخر التصوير: وتصادقا على الحوالة والضمان، قلنا: المصنف قد يصور المسألة أحيانًا بعين لفظ متخاصمين [١٥/ ب] وأحيانًا بمعنى لفظهما لا بعين عبارتهما، فصورة المسألة ما ذكرنا أنه قال: اقبض من فلان ألف درهم، ثم اختلفا فقال المأمور: كنت محتالًا، وقال الآمر: كنت وكيلًا، قال هذا القائل: ولو قال المأمور: قلت لي: خذ ومرادك الحوالة، أو مرادك الوكالة لم يقبل منه دعوى المراد ولا يسمع في ذلك دعوى الضمائر، وحكي عن ابن سريج أنه قال: بالوجهان فيه مبنيان على أصل وهو إذا ضرب مكفوفًا فقده باثنين ثم اختلف هو وولي المقدود أنه كان حيًا أو ميتًا فيه قولان:
أحدهما: القول قول الولي لأن الأصل بقاء الحياة.
والثاني: القول قول الجاني لأن الأصل براءة الذمة، كذلك هاهنا الأصل بقاء المحيل في ذمة المحال عليه وحقيقة اللفظ للحوالة، فكانت المسألة على وجهين. وأما قوله:«وضمنها له» قد قيل: ذكره تأكيدًا ولا يكون ضمان المحال عليه شرطًا في صحة الحوالة، وقيل: إنه شرط في صحة الحوالة وهذا قول المزني والزبيري والاصطخري، ومن قال يعتبر فيها رضا المحال عليه. وقيل: إنه صور في الحوالة على من لا حق