وهذا كما قال: إذا ضمن رجل عن رجل مالًا فلو كان كان بغير أمره لم يكن له مطالبة المضمون عنه بخلاصه منه لأنه لا معاملة بينهما, وإن كان بأمر وقال ابن أبى هريرة: وإن كان مؤجلًا لم يحل عليه لم يكن له مطالبته بخلاصه. وإن كان حالًا فإن له مطالبته بخلاصه سواء طالبه المضمون له بالمال أو لم يطالبه, كما لو أعطاه عيناً ليرهنه فحل الحق كان له مطالبته بكفالة سواء طالبه المرتهن بالمال أو لم يطالبه. ولأن عليه ضررًا في بقائه لأنه قد يتلف مال المضمون عنه فلا يمكنه الرجوع عليه. ومن أصحابنا من قال: ليس له أن يطالبه بخلاصه حتى يطالبه المضمون له بالمال, وهذا ظاهر ما نقله المزني [٢٧/أ] لأنه قال: فإن أخذ الضامن بالحق وكان ضمانه بأمر الذي هو عليه فله أخذه بخلاصه فشرط أن يؤخذ الضامن بالحق فدل على أنه إذا لم يؤخذ به فلا مطالبة له بخلاصه. وهذا يفارق الرهن, لأن على صاحب العين ضررًا في كونه مرهونًا في الحال ولا ضرر على الضامن في وجوب الدين في ذمته قبل المطالبة به. وأما المال فلا يجوز له أن يرجع به إلا بعد أن يغرمه للمضمون عنه.
فرع
إذا قلنا: ليس له أن يطالبه بخلاصه إذا لم يطالبه صاحب الحق قال ابن سريج: للضامن أن يقول للمضمون له: إما أن تبرئني من الحق, وإما أن تطالبني به لأطالب المضمون عنه بنكال ذمتي.
فرع آخر
لو ضمن ألفًا بأمره ثم دفع المضمون له إلى الضامن ألفًا, قال ابن سريج: يُنظر فيه فإن جعله رسولًا ووكيلًا في قضاء الدين به عنه جاز , وإن قال: خذه بدلًا عما سيجب لك علي بالقضاء عني فيه وجهان:
أحدهما: يصح ويملكه الضامن ملكًا مراعًى وله التصرف فيه, وهو كتعجيل الزكاة والكفارة قبل وجوبها.
والثاني: لا يصح لأنه أعطى بدلًا عما يجب له في الثاني فلا يصح. فعلى هذا يكون ضامنًا لما قبضه لأنه قبضه قبضًا فاسدًا. وعلى الوجه الأول إن قضي عنه الألف تبينا أنه ملك الألف, لم يقبض منه ولكن برئت ذمة المضمون عنه من وجه آخر فعليه رد الألف.
فرع آخر
إذا ضمن عن رجل بأمره فطولب بالمال الذي ضمنه فقضاه على الوجه الذي ضمن رجع عليه بما قضى بلا إشكال. وإن قضى أفضل منه من جنسه كأنه قضى الصحاح مكان المكسرة لم يرجع عليه إلا بالمكسرة التي ضمنها, لأنه تبرع بالزيادة, وإن قضى عن الصحاح مكسرة أو عن البيضاء سوداء رجع بالمكسرة والسوداء, لأنه لا يرجع عليه