المزني عن كتاب ابن أبي ليلى، وقيل: لم يقطع به في كتاب ابن أبي ليلى بل ذكر فيه قولين، وإنما قطع به في "القديم" فالمزني أخل بالنقل. وقال في "البويطي"، وحرملة: أحببت أن يبتدئ الوضوء من أوله، فإن لم يفعل وغسل رجليه أجزأه، وهذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة، والثوري، وأبو ثور واختاره المزني، وبالقول الآخر. قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وقال مالك والليث بن سعد: إن تطاولت المدة يلزمه الاستئناف، وإن غسل قدميه وجب النزع جريًا على أصلها في وجوب الموالاة، ثم اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: هذا مبني على جواز تفريق الوضوء، والذي قال في "الأم" وكتاب ابن أبي ليلى أنه يتوضأ، أراد استحبابًا؛ لأن مذهبه في هذين الكتابين جواز التفريق، وبين أصحابنا هذا غير مبني على هذا، لأن الشافعي أمر بالوضوء في "الأم" ونص فيه على جواز تفريق الوضوء، وإنما فيه القولان سواء مسح على الخف، ونزع في الحال، أو نزع بعد لمدة وتفريق الوضوء إذا كان قليلًا لا يضر، ولأنه تفريق بعذر فلا يبطل الوضوء قولًا واحدًا، فصح أنهما قولان بأنفسهما
ومعناهما [٢٥٤ ب/١] أن الحدث ارتفع عن الرجل بالمسح أولًا، فإن قلنا: لم يرتفع لم يلزمه عند نزع الخف ألا يتيمم الوضوء الأول بغسل الرجلين، وإن قلنا: ارتفع فلما نزع الخف انتقض الطهر في الرجلين، وانتقاض الطهر لا يتبعض كما لو أحدث فبطل في الكل، ووجه قول من قال: يرفع الحدث عن الرجل أنه مسح بالماء، فرفع الحدث كمسح الرأس، ولأنه يجوز الجمع بين فريضتين، وبه فيرفع الحدث، ووجه قولنا لا يرفع الحدث أنه يبطل حكمه بظهور الأصل فلا يرفع الحدث كالتيمم، وقيل: البناء على هذين المعنيين لا يصح أيضًا؛ لأن مسح الخفين، وإن لم يرفع الحدث عن الرجلين منذ كملت به الطهارة، فإذا بطل فقد انتقص بعضها وجرى ذلك مجرى انتقاضها في الكل لأنها لا تتبعض منهما قولان بأنفسهما من غير البناء على هذين المعنيين، ووجه قولنا يلزمه الوضوء ما ذكرنا، ووجه قولنا: يكفيه غسل الرجلين ما قال المزني مسح الخفين باب غسل الرجلين خاصة فظهورهما يبطل النائب دون غيره كما يبطل التيمم برؤية الماء، ويجب ما ناب عنه التيمم، فإن قيل: أليس المقيم يستوعب الأعضاء عند وجود الماء الذي هو الأصل، [٢٥٥ أ/١] فكذلك الماسح إذا نزع الخف وجب أن يستوعبها. قلنا: لأن التيمم ناب عن كلها بخلاف المسح فإنه ناب عن الرجلين فقط فافترقا.
فرع
لو نزع الخف وأخر غسل الرجلين طويلًا، فإذا قلنا: إذا لم يؤخر استأنف الوضوء فههنا أولى، وإن قلنا: لا يستأنف ويكفيه غسل الرجلين فيه قولان للتفريق الحاصل، وهذا لأن التراخي الذي وقع من ساعة المسح إلى ساعة النزع كان معذور، وكان المسح فيه نائبًا عن الغسل، فكأنه لم يفرق، وبعد النزع ذهب حكم المسح فتأخير غسل الرجلين يكون تفريقًا بغير عذر فيكون فيه قولان.