للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفصل

وهذا كما قال: إذا شهد شاهدان على إقرار رجل بمال ولم يقولا: إنه كان حين أقر به عاقلًا بالغًا غير محجور صحت شهادتهما لأن الظاهر من حال [١٤٥/ب] الشاهد أنه لا يحمل الإقرار ممن لا يصح إقراره من صبي أو مجنون أو محجور عليه، وإن تحمله فلا يشهد به عليه وهذا مثل ما يقول: إذا شهد على رجل أنه باع هذه الدار من فلان وقبض الثمن حكم بالبيع، وإن لم يقولا: إنه باع بثمن مباح معلوم غير مجهول لأن الظاهر من حال الشاهد أنه لا يشهد بذلك إلا وقد علم أنه باع بثمن مباح معلوم وأن البيع وقع صحيحًا وأن تسليم الدار عليه واجب فكذلك في الإقرار. ولو قالا: وهو صحيح العقل كان تأكيدًا ويكتب في الوثائق ذلك للتأكيد والاحتياط.

وقال ابن أبي ليلى: لا يحكم الحاكم بشهادتهما لاحتمال أن يكون مجنونًا أو مكرهًا حتى يصرحا بما يزيل الاحتمال. وهذا غلط لأن الحكم يتعلق بالأغلب من الأحوال والأغلب من الأحوال الصحة والسلامة. فإذا تقرر هذا فلو ادعى المشهود عليه الجنون عند الإشهاد عليه لم يقبل دعواه إلا أن يعرف له جنون سابق، أو كان يجن ويفيق فالقول قوله.

وقال في (التقريب): في الحرية جوابان أحدهما: الأصل الحرية. والثاني: لا يجوز حتى يشهد بالحرية يوم أقر ويخرج أمر العقل على هذين الجوابين. وهكذا لو شهدا على أمٍر يتعلق جوازه بصحة بدن المقر لم يجز حتى يقولا: كان يومئذ صحيح البدن والعقل وكذلك طواعية المقر على هذا الخلاف لأن الأصل أن لا إكراه حتى يحدث ولهذا كانت الشهادة على الإكراه أولى من الشهادة على الطواعية، لأنها بالإكراه أثبتت معنًى يجوز إخفاؤه على الطواعية.

وقال في (الحاوي) (١): قال أبو حامد: إذا ادعى الإكراه يقبل منه بخلاف الجنون والفرق أن أحكام المكره مختلف فيها وأحكام المجنون متفق عليها وهذا غلط لأن ما احتملته الشهادة من معاني الرد فهو مانع من قبولها كالجهالة بالعدالة وفي إنفاذ الحكم بها مانع من احتمال الإكراه كما في إنفاذه مانع من احتمال الجنون، ولو فرق بينهما بأن فقد العقل أظهر لكان أعذر وإن لم يكن في الحالين عذر. [١٤٦/أ]

فرع

لو ادعى رجل على رجل ألفًا وأقام به بينة فقال المدعى عليه: صدقت قد قبضتنيه لا يقبل قوًلا واحدًا، وكذلك إذا قال: صدقت هو علّى إلى سنة كما لو قال: صدقت هو علّي إلا خمسين لا يقبل.


(١) انظر الحاوي للماوردي (٧/ ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>