للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرقبة، وكان قصد أبي جهل أن يكون ذلك أبهى لرأسه، ثم أخبر أمه بذلك فقالت: والله أعتق تسعين رجلاً من قومك، ودفع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ابني عفراء أو إلى أحدهما (١) بحسب اختلاف الرواية؛ لأنه قد كان أثخنه بالجراح وبإثخان المقتول يستحق السلب لا بإماتة نفسه وروحه وأما الجواب عن قياسهم على النفل فالمعنى فيه افتقار النفل إلى تقدير الإمام، وليس كذلك السلب.

وأما الجواب عن قولهم: لو كان مستحقاً بالقتل لاستحقه إذا قتله مولياً أو رماه بسهم، فهو أنه مستحق بقتل على صفة وهو أن يكون للقاتل مغراراً بنفسه ويكف شر المقتول بقتله، وهو إذا رماه لم يغرر، وإذا قتله مولياً فقد كف المولى شر نفسه، ألا تراه لو استحقه بشرط الإمام لم يستحقه، إلا على علي هذه الصفة، وأما الجواب عن قولهم: لو كان السلب مستحقاً بالقتل لوجب أن لا يغنم سلب مقتول لا يعرف قاتله فهو أنه قد يستحق بقتل على صفة لم يغنم بغنيمة فيمنع من قسمه، فلذلك قسم، ألا ترى لو شرطه الإمام لكان مغنوماً إذا لم يتيقن مستحقه؛ لجواز أن يكون القتل على صفة لا يستحق بها.

فصل

وأما مالك فاستدل على تخميس السلب بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] ولأنه مال مغنوم فأشبه الغنائم، ودليلنا ما قدمناه من الأخبار من إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - السلب من غير تخميس. وروي أن سلمة بن الأكوع قتل رجلاً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتله؟ قالوا: سلمة بن الأكوع قال: له سلبه" (٢). وهذا نص.

وروى سفيان عن الأسود بن قيس عن شبر بن علقمة قال: قتلت رجلاً يوم القادسية فبلغ سلبه اثني عشر ألفاً فنفلنيه سعد" (٣)؛ ولأن أهل الغنيمة أقوى من أهل الخمس لأمرين:

أحدهما: كثر سهمهم.

والثاني: حضورهم الوقعة مع القتل، ثم كانوا مع قربهم لا يشاركون القاتل في السلب، فلأن لا يشاركه أهل الخمس الذين هو أضعف أولى، والجواب عن الآية قد مضى وقياسهم على الغنيمة مدفوع بهذا الاستدلال.

فصل

فإذا ثبت أن السلب للقاتل من غير تخميس فهو له من أصل الغنيمة قليلاً، كان أو


(١) أخرجه البخاري (٣١٤١، ٤٠٢٠)، ومسلم (٤٢/ ١٧٥٢).
(٢) أخرجه مسلم (٤٥/ ١٧٥٤)، وأبو داود (٢٦٥٤)، وأحمد (٤/ ٥٠ - ٥١).
(٣) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (١٢٧٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>