والثالث: أن يكون القاتل في قتله مغرراً بنفسه إما بأن يقتله مبارزة أو غير مبارزة، وإذا خرج القاتل عن صفة فغرر، فأما إذا قتله من الصف بسهم رماه فلا سلب له.
والرابع: أن يكون المقتول ممتنعاً بسلامة خمسه حتى قتل ليكون في القتل كف لشره وأما أن كان قد صار بجراح قد تقدمت غير ممتنع فسلبه لمن كفه ومعه دون من قتله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى سلب أبي جهل ابن عفراء دون ابن مسعود وإن كان هو القاتل؛ لأنهما صرعاه فجرحاه وكفاه عن القتال، وصفة الكف الذي يتعلق به استحقاق السلب أن يجتمع شرطان:
أحدهما: أن يناله من الجراح ما يعجز معه عن القتال فيصير به مكفوف الشر، وسواء قطع أطرافه الأربعة أو بعضها أو كان الجراح في غير أطرافه، وقد روى المزني:
ولو ضربه فقد يديه أو رجليه ثم قتله آخر فإن سلبه الأول" وروى الربيع: "ولو ضربه فقطع يديه ورجليه" وليس ذلك على اختلاف قولين فيما يصير به مكفوفاً كما وهم فيه بعض أصحابنا، وإنما الاعتبار فيه بأن يصير بالجراح عاجزاً عن القتال صريعاً.
والثاني: أن لا تطول به مدة الحياة بعد الجراح، فيكفي شر رأيه وتدبيره فيصير باجتماع هذين الشرطين سلبه للجارح الأول دون الثاني القاتل.
وأما إن جرحه لا تطول مدة الحياة بعدها لكنه قد يقاتل معه فلا سلب لجارحه؛ لأن ما كفى شر قتاله والسلب لقاتله ولو ناله بالجراح ما كفه عن القتال وأعجزه عنه أبداً، لكن طالب به مدة الحياة بعدة ففي سلبه قولان من قتل الشيوخ:
أحدهما: السلب لجارحه دون قاتله إذا قيل إن الشيوخ والرهبان لا يقتلون.
والثاني: لقاتله دون جارحه إذا قيل يقتلون، فهذه الشروط التي ذكرنا يستحق السلب بها، وقال أبو داود وأبو ثور: "من قتل قتيلاً فله سلبه" وهذا خطأ: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى سلب أبي جهل لابن عفراء دون ابن مسعود، وان كان قاتلاً، وقيل: إنه تقلد منه سيفه وحده.
مسألة (١)
قال الشافعي: رحمه الله: "والسلب الذي يكون للقاتل كل ثوب يكون عليه وسلاحاً ومنطقته وفرسه إن كان راكبه أو ممسكه وكل ما أخذ من يده".
قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا كان السلب مستحقاً بالقتل الذي وصفناه انتقل الكلام فيه إلى ثلاثة فصول:
أحدها: فيمن يستحق السلب من القاتلين.
والثاني: فيمن يستحق سلبه عن المقتولين.
(١) انظر الأم (٣/ ١٨٦، ١٨٧).