للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرجح بكتاب أو سنة كنت إلى التفضيل بالدلالة مع الهوى أسرع. قال الشافعي: فإذا قرب القوم من الجهاد ورخصت أسعارهم أعطوا أقل ما يعطى من بعدت داره وغلا سعره وهذا وان تفاضل عدد العطية تسوية على معنى ما يلزم كل واحد من الغريقين في الجهاد إذا أراده".

قال في الحاوي: وهذا كما قال.

اختلف الناس في التسوية بين أهل الفيء والتفضيل بالسابقة والنسب، وفي السابقة التي أشير بالتفضيل إليها تأويلان:

أحدهما: أنها السابقة في الإسلام.

والثاني: السابقة في الهجرة فحكي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه سوى بين الناس في العطاء ولم يفضل أحداً بسابقة ولا نسب، وأعطى العبيد فقال له عمر أتجعل الذين جاهدوا في الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم كمن دخل في الإسلام كرهاً، فقال أبو بكر إنما عملوا لله، وإنما أجورهم على الله، وإنما الدنيا بلاغ يعني بلاغ إلى الآخرة التي هي دار الجزاء، فلما أفضى الأمر إلى عمر فضل بين الناس ولم يعط العبيد وأعطى عائشة اثني عشر ألفاً وأعطى غيرها من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - العربيات عشرة آلاف وأعطى صفية وجويرية ستة آلاف لأنهما كانتا معتقتين وأعطى كل واحد من علي والعباس عليهما السلام ستة آلاف، وأعطى كل واحد من المهاجرين الأولين والأنصار السابقين خمسة آلاف وأعطى الحسن والحسين عليهما السلام كل واحد أربعة آلاف وأعطى أسامة بن زيا ألفين، وأعطى ابنة عبد الله بن عمر ألفاً وخمسمائة، فقال له ابنة عبد الله: أتفضل على أسامة وتنقص منه فقال له عمر: لأنه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك، وكان أبوه أحب إليه من أبيك، فلما قضى الأمر إلى علي رجع إلى رأي أبي بكر في التسوية بين الناس في العطاء ولا يفضل أحدهم بسابقة ولا نسب، ومذهب عمر التفضيل بينهم بالسابقة والنسب، ومذهب الشافعي أن التسوية بينهم أولى من التفضيل إتباعاً لرأي أبي بكر وعلي رضي الله عنهما واستدلالاً بأمرين:

أحدهما: أن أربعة أخماس الغنيمة لما سوى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الغانمين ولم يفضل ذا غنى على فقير، ولا فضل شجاعاً على جبان بعدما حضر الوقعة؛ ذلك أربعة أخماس الفيء يسوى فيه بين أهله لإرصاد أنفسهم للجهاد الذين هم فيه سواء، وان تفاضلوا بالسابقة والنسب تسوية بين الفيء والغنيمة في أربعة أخماسه كاستواء الحكم بينهما في خمسه.

والثاني: أن الله تعالى سوى في الميراث بين البار والعاق، وبين المحب والمشاق لاستوائهم في سبب الاستحقاق كذلك أهل الفيء.

قال الشافعي: "ولو وجدت الدلالة على أن التفضيل أرجح بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت إلى التفضيل بالدلالة مع الهوى أسرع بمكان الشافعي من

<<  <  ج: ص:  >  >>