قال في الحاوي: أما إذا كان مال الفيء لا يجيء إلا مرة واحدة في كل عام لم يجعل العطاء إلا مرة في كل عام، في وقت منه معلوم متقدو باستكمال المال فيه، وأولى ذلك أن يكون في المحرم، إذا أمكن، وان كان مال الفيء يحصل في مرتين من كل عام أو مراراً لم ينبغ أن يجعل العطاء أكثر من مرتين في كل عام لما ذكونا من تشاغل المجاهدين بالاقتضاء، وتشاغل الإمام بالعطاء، ثم ينظر الإمام في أرفق الأمرين به وبالجيش، فإن كان الأرفق أصلح أن يجعله في كل عام مرة لبعد المغزى أو طول المدة فعل، وان كان الأرفق الأصلح أن يجعله في مرتين منها صيفاً وشتاء، كي لا يتشاغل بحفظ المال إذا استبقاه ولا يستبطئ الجيش مع قرب المغزى وبعد مداه فعل، ومن أصحابنا من قال: لا ينظر الإمام في ذلك ولا يجوز أن يجعله إلا مرة واحدة من كل عام وهذا خطأ، لأنه كالزكاة لا تجب في العام إلا مرة فلم يجز أن يغرق في العام إلا مرة، وفي الفيء ما قد يحصل في السنة بأكثر من مرة فجاز أن يفرق في العام في أكثر من مرة والله أعلم بالصواب.
مسألة (١)
قال الشافعي: "وإذا صار مال الفيء إلى الوالي ثم مات ميت قبل أن يأخذ عطاءه أعطيه ورثته فمان مات قبل أن يصير إليه مال ذلك العام لم يعطه ورثته".
قال في الحاوي: وهذا كما قال.
قد ذكرنا أن استحقاق العطاء يكون بحصول مال الفيء وأداؤه يجب بحلول وقت العطاء.
وقال الإسفراييني: استحقاقه وأداؤه يكونان معاً بحلول وقت العطاء، ولا اعتبار بحصول المال في الاستحقاق والأداء، وهذا مع كونه مخالفاً لنص الشافعي خطأ من وجهين:
أحدهما: أنه لما لم يجب على مؤديه لم يجب بمستوفيه، وقد يجوز أن يحل وقت العطاء قبل استحقاق مال الفيء على أهله.
والثاني: أن العطاء يتعلق استحقاقه بعين لا بذمة وفي اعتبار وجوبه بالوقت دون المال نقل له من العين إلى الذمة، فبطل تقدير ما اعتبره. وإذا كان حصول المال معتبراً فمذهب الشافعي أن حصوله هو قبضه من أهله، ومن أصحابنا من قال: حصوله هو حلول وجوبه على أهله، وهذا خطأ؛ لأنه قد يحل وجوبه ولا يحصل بموت وإعسار، فإذا ثبت ما ذكرنا، لم يخل حال من مات من أهل الفيء من أربعة أقسام: