للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)} [الذاريات:١٩] فأما السائل: فهو الذي يسائل الناس لفاقته.

وفي المحرم خمسة تأويلات:

أحدهما: أنه المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئاً ولا يعلم بحاجته، وهو قول قتادة.

والثاني: أنه المحارف الذي لا يتيسر له مكسبه، وهو قول عائشة.

والثالث: أنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، وهو قول ابن عباس.

والرابع: أنه المصاب بزرعه وثمره بعينه من لم يصب وهو قول ابن زيد.

والخامس: أنه المملوك وهو قول عبد الرحمن بن حميد.

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم" وقال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حيث بعثه إلى اليمن: "يا معاذ بشر ولا تنفر ويسر ولا تعسر، ادعه إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإن أجابوك فأعلمهم أن في أموالهم حقاً يؤخذ من أغنيائهم فيرد على فقرائهم" (١) فدل ما ذكرنا من الكتاب والسنة على أن الزكاة مصروفة في ذوي الفقر والحاجة من غير حرفة ولا تعيش وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمنا أنه من اجتهاده إلى أن كان ما رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم قسماً إذ جاءه ذو الخويصرة اليماني، فقال: إعدل يا رسول الله، فقال: "ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل" فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فاضرب عنقه، فقال: دعه (٢) فأنزل الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨)} [التوبة:٥٨] ثم إن الله تعالى نزه بنيه عن هذا العتب وتولى قسمها بين أهلها فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:٥٨] إلى قوله تعالى: {فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٦٠] أي عليم بالمصلحة حكيم في القسمة فعند ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى لم يرض في قسمة الأموال بملك مقرب ولا نبي مرسل" حتى تولى قسمها بنفسه فصار مال الزكوات مقسوماً في أهله بنص الكتاب كالفيء والغنيمة.

وروى زياد بن الحارث الصدائي، فقال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعته فجاءه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال: "إن الله تعالى لم يرض في الصدقة بحكم نبي ولا غيره حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك حقك" (٣).


(١) أخرجه البخاري (٤٣٤١، ٤٣٤٢)، ومسلم (١٧٣٣)، وأحمد (٣/ ٥٦)، وابن ماجه (١٧٢)، والحاكم (٢/ ١٤٥).
(٢) أخرجه البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٤).
(٣) أخرجه أبو داود (١٦٣٠)، والطبراني في "الكبير" (٥/ ٣٠٣)، والدارقطني (٢/ ١٣٧)، والبيهقي في "الكبرى" (٧٧٣٣)، وفي "معرفة السنن" (١٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>