للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليتولى تفريقها بنفسه ولا يلزم دفعها إليه، وهو قول الجمهور.

وأما الظاهرة ففيها قولان:

أحدهما: قاله في القديم: إن على أربابها دفع زكاتها إلى الإمام ولا يجزئهم تفريقها بأنفسهم وبه قال مالك وأبو حنيفة.

والثاني: وهو قوله في الجديد: إن أربابها بالخيار في دفعها إلى الإمام أو تفريقها بأنفسهم، ودليل قوله في القديم أن دفعها إلى الإمام واجب وهو مذهبه مالك وأبي حنيفة قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة:١٠٣] وإذا دلت هذه الآية على أن على الإمام الآخذ دلت على أن على الأرباب الدفع، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن آخذ الصدقة من أغنياتكم فأردها على فقرائكم" فدل ذلك من قوله على مثل ما دلت عليه الآية، وقال أبو بكر رضي الله عنه في مانعي الزكاة لو منعوني عتاقاً أو عقالاً مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه، فوافقته الصحابة بعد مخالفته، فدل على أن عليه الأخذ وعليهم الدفع بإجماع الصحابة، ولأنه حق يتعلق بالمال الظاهر يصرف إلى الأصناف على أوصاف، فوجب أن يكون تفرد الإمام به شرطاً في أجزائه كالخمس.

ودليلنا، قوله في الجديد أن تفرد أربابها تفريقها يجوز لقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:٢٧١] فجعل كلا الآمرين مجزئاً وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً} [البقرة:٢٧٤] فدل عموم الآيتين على جواز إخراج الصدقات فرضاً ونفلاً من غير تخصيص.

وروي أن أبا ثعلبة الخشني حمل صدقته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فردها وحملها إلى أبي بكر فردها وحملها إلى عمر، فردها، فلو كان تفرده بإخراجها لا يجزئه لما استجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردها عليه، لأن فيه تضييعاً لها من غير إجزاء، ولأنه مال مخرج على وجه الطهرة فجاز أن ينفرد أربابه بإخراجه، ولأنه مال مخرج على وجه الطهرة فجاز أن ينفرد أربابه بإخراجه كالكفارات؛ ولأن ما أخرج زكاة لم يجز دفعه إلى الإمام كالمال الباطن، ولأن من جاز له أن ينفرد بإخراج زكاة المال الباطن جاز له أن ينفرد بإخراج زكاة المال الظاهر كالإمام.

فصل

فإذا تقرر توجيه القولين انتقل الكلام إلى التفريع عليهما فإذا قيل بوجوب دفعها إلى الإمام، وإن تفريق ربها لا يجوز، فلا يخلو حال الإمام من أن يكون عادلاً أو جائزاً، فإن كان الإمام عادلاً، فعلى رب المال أن يدفعها إلى الإمام أو إلى من استخلفه الإمام عليها من عماله وسعاته، فإن كان الإمام والعامل حاضرين كان رب المال بالخيار في دفعها إلى أيهما شاء والأفضل أن يدفعها إلى الإمام، لأنه أصل.

وإن كان الإمام غائباً عن المال والعامل حاضراً، فعلى رب المال أن يدفعها إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>