كان جبران المال من أهل البلد أخص بها من غيرهم، وهل يكون ذلك هن طريق الأولى أو من طريق الاستحقاق على وجهين:
أحدهما: أنهم أولى بهما لأجل الجوار، وإن لم يكونوا أحق فإن فرقت في غيرهم من أهل البلد أجزاء وإن عدل عن الأولى.
والثاني: أنهم أحق بها وإن فرقت في غيرهم من أهل البلد لم يجزه إذا قيل إن نقل الزكاة، ولا يجزئ لقوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء:٣٦] يعني الجار ذي القربى الجار القريب في نسبه، والجار الجنب البعيد في نسبه، فاعتبر في القريب والبعيد الجوار ثم قال: "والصاحب بالجنب" وفيه ثلاثة تأويلات:
أحدهما: أنه الرفيق في السفر وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني: أنه الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك وهو قول ابن زيد.
والثالث: أنها الزوجة التي تكون إلى جنبك وهو قول ابن مسعود.
هذا إذا كان رب المال هو المفرق لزكاته فأما إن فرقها الإمام أو عامله فجميع أهل البلد فيها سواء، لما في مراعاة الإمام لذلك مع الاجتماع الزكوات بيده في المشقة التي لا يقدر عليها ولا يمكنه حفظها فأما زكاة الفطر، فإن كان مال المزكي في بلد أخرجها منه، وإن كان ماله في غير بلده فغيها وجهان:
أحدهما: أن يراعى فيه بلد المال لا بلد المزكي لتعلق وجوبها بالمال فكان بلد المال أحق أن يراعى كسائر الزكوات.
والثاني: أن يراعى فيه بلد المزكي لأنها عنه لا عن ماله فكان بلده أن يراعى إخراجها فيه أولى من بلد ماله.
مسألة (١)
قال الشافعي: "ويرد حصة من لم يوجد من أهل السهمان على من وجد منهم".
قال في الحاوي: قد ذكرنا أن الزكاة مستحقة للأصناف الثمانية المنصوص عليهم في كتاب الله تعالى فإذا كانوا هم المستحقون لم يخل حالها من ثلاثة أقسام:
إما أن يفرقها رب المال بنفسه أو يدفعها إلى الإمام أو يدفعها إلى عامل الإمام عليها، فإن فرقها رب المال بنفسه سقط منها سهم العاملين عليها لفقد عملهم فيها، ووجب قسمها على الأصناف السبعة على سبعة أسهم متساوية لا يفضل صنفاً على سهمه، وإن كانوا في أمس الحاجة ولا ينقص صنفاً عن سهمه وإن كانوا أقل حاجة، لأن الله تعالى تولى قسمتها بنفسه وقطع الاجتهاد فيها بتفضيل أو نقصان، فإن فضل صنفاً على غيره وكان التفضيل متطوعاً وضمن للمفضول قدر حصته من الفضل كما لو أسقط جميع
(١) انظر الأم (٣/ ٢٢١).