للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسألة (١)

قال الشافعي رحمه الله: "فإن كان رجل جلد يعلم الوالي أنه صحيح مكتسب يغني عياله أو لا عيال له يغني نفسه بكسبه لم يعطه".

قال في الحاوي: وهذا كما قال المكتسب بصنعته قدر كفايته وكفاية عياله لا يكون فقيراً وتحرم عليه الزكاة، وإن لم يكن له مال وقال أبو حنيفة: لا تحرم عليه الزكاة وإن كان مكتسباً يملك نصاباً تجب فيه الزكاة أو ما يبلغ قيمته نصاباً فجعل الفقر معتبراً بعدم النصاب وإن كان قادراً على كفايته بنفسه وجوز له أخذ الزكاة، وجعل الغناء معتبراً بملك النصاب وإن عجز عن كفايته وحظر عليه أخذ الزكاة استدلالاً لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:٦٠] والفقير هو العادم، وهذا عادم وإن كان مكتسباً، وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أمرت أن أخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم" (٢) فميز الأغنياء بأخذ الصدقة منهم وميز الفقراء بدفع الصدقة إليهم، فوجب أن يكون من تؤخذ منه الصدقة غنياً وإن كان غير مكتسب، ومن تدفع إليه فقيراً، وإن كان مكتسباً.

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من سألنا أعطيناه" (٣) وقال: "أعطوا السائل ولو جاء على فرس" (٤) وقد سئل المكتسب فوجب أن يعطى؛ ولأنه لا يملك نصاباً ولا قيمته فوجب أن يكون فقيراً تحل له الصدقة قياساً على غير المكتسب؛ ولأنه لما لم يكن المكتسب غنياً في وجوب الحج والتكفير بالعتق لم يكن غنياً في تحريم الزكاة؛ ولأنه لما حلت الزكاة من سهم الغارمين حلت له من سهم الفقراء والمساكين ودليلنا ما رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألاه من الصدقات فصعد النظر فيهما وصوب وقال: "إن شئتما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب" (٥) فجعل الكسب كالغني بالمال في تحريم الصدقات.

وروى سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة قوي" (٦) فحرم الصدقة بالقدرة على الكسب كما حرمها بالغنى؛ ولأنه مستديم القدرة على كفايته فوجب أن تحرم عليه الزكاة والمسكنة كالقادر على


(١) انظر الأم (٣/ ٢٢٢).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق (٤/ ٤٢١).
(٤) أخرجه مالك في "الموطأ" (٩٩٦)، وعبد الرزاق (٢٠٠١٧)، وابن عدي في "الكامل" (٤/ ١٥٨).
(٥) أخرجه أحمد (٤/ ٢٢٤ - ٥/ ٣٦٢)، وأبو داود (١٦٣٣)، والنسائي (٢٥٩٨)، والدارقطني (٢/ ١١٩).
(٦) أخرجه أبو داود (١٦٣٤)، والترمذي (٦٥٢) والنسائي (٢٥٩٧)، وابن ماجه (١٨٣٩)، وأحمد (٢/ ٣٧٧، ٣٨٩)، وابن حبان (٣٢٧٩)، والحاكم (١/ ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>