للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يملك ديناراً ولا درهماً، وإن كان لا يكتسب بضاعته قدر كفايته على الدوام حلت له الزكاة وأن يأخذ منها تمام كفايته.

وأما التجار فهم الذين يستمدون أرباح بضائعهم، فإن كانت بضاعة الواحد منهم تربحه غالباً قدر كفايته كان غنياً تحرم عليه الزكاة، وإن لم يملك نصاباً، وإن كانت لا تربحه قدر كفايته كان فقيراً وإن ملك نصاباً وحل له أن يأخذ من الزكاة، ما إذا ضمه إلى بضاعته ربح بها قدر كفايته، وذلك يختلف بحسب اختلافهم في متاجرهم فإذا كان البقلي يكتفي بخمسة دراهم والباقلاني بعشرة والفاكهاني بعشرين والخباز بخمسين والبقال بمائة والعطار بألف والبازاز بألفي درهم والصيرفي بخمسة آلاف والجوهري بعشرة ألاف وملك كل واحد ممن ذكرنا بضاعته التي يكتفي بربحها حرمت عليه الزكاة، وإن ملك أقل منها حلت له الزكاة أن يأخذ منها تمام بضاعته التي يكتفي بربحها حتى أن البقلي إذا ملك خمسة دراهم هي كفايته كان غنياً والجوهري إذا ملك تسعة ألاف درهم هي دون كفايته كان فقيراً أو مسكيناً، وكذلك القول من أصحاب العقار والمواشي إن كان يستغل منها قدر كفايته حرمت عليه الزكاة، وإن كان لا يستغل منها قدر كفايته حلت له الزكاة أن يأخذ منها ما يشتري به من العقار والمواشي ما إذا ضمه إلى ماله ما اكتفى بغلته على الدوام.

فصل

فأما أحمد فاستدل برواية ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سأل الناس وهو غني كانت مسألته يوم القيامة خموشاً أو خدوشاً أو كدوحاً في وجهه"، قيل: يا رسول الله وما غناه قال: خمسون درهماً أو عدلها" (١).

وأما أبو حنيفة فاستدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم" (٢) فجعل المأخوذ منه غير المدفوع إليه قالوا، ولأنه مالك لنصاب من مال فوجب أن يكون غنياً تحرم عليه الصدقة أصله، إذا كان له كفاية على الدوام قالوا؛ لأن اعتبار الكفاية لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يعتبروا كفاية زمان المقدر أو كفاية العمر فلم يجز أن يعتبر العمر لأنه مجهول وأما الزمان المقدر فلستم في اعتباره بسنته بأولى من اعتباره بأقل منها أو أكثر، فبطل اعتبار الكفاية ودليلنا حديث قبيصة بن المخارق: أنه تحمل بحمالة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله فقال: نؤدها عنك من نعم الصدقة يا قبيصة إن المسألة حرمت إلا في ثلاثة: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤدها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ثم يمسك، ورجل أصابته حاجة حتى تكلم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أن به حاجة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ثم يمسك، وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت. فدل نص هذا الخبر على أن الصدقة تحل بالحاجة وتحرم بإصابة القوام من العيش وهو


(١) تقدم تخريجه
(٢) تقدم تخريجه

<<  <  ج: ص:  >  >>