ذلك خبر عن أبي بكر نصير إليه فإن قيل: فإنه بلغنا أن عمر رضي الله عنه كان يؤتى بنعم من الصدقة فبالمدينة صدقات النخل والزرع والناض والماشية وللمدينة ساكن من المهاجرين والأنصار وحلفاً لهم وأشجع وجهينة ومزينة بها وبأطرافها وغيرهم من قبائل العرب فعيال ساكني المدينة بالمدينة وعيال عشائرهم وجيرانهم وقد يكون عيال ساكني أطرافها بها وعيال جيرانهم وعشائرهم فيؤتون بها وتكون مجمعاً لأهل السهمان كما تكون المياه والقرى مجمعاً لأهل السهمان من العرب ولعلهم استغنوا فنقلها إلى أقرب الناس بهم وكانوا بالمدينة. فإن قيل: فان عمر رضي الله عنه كان يحمل على أبل كثيرة إلى الشام والعراق فإنما هي والله أعلم من نعم الجزية لأنه إنما يجعل على ما يحتمل من الإبل وأكثر فرائض الإبل لا تحمل أحداً وقد كان يبعث إلى عمر بنعم الجزية فيبعث فيبتاع بها إبلاً جلة فيحمل عليها. وقال بعض والناس: مثل قولنا في أن ما أخذا من مسلم فسبيله سبيل الصدقات".
قال في الحاوي: وهذه مسألة سادسة أراد بها أهل العراق، ولعل أبا حنيفة معهم فإنهم جوزوا نقل الصدقات إلى أهل الفيء، ونقل الفيء أهل الصدقات اعتباراً بشدة الحاجة ثم اختلفوا بعد النقل، وهل يقضي من نقل عنه سهمه إذا اتبع مال المنقول إليه؟ فمنهم من أوجب القضاء، ومنهم من أسقطه وعند الشافعي لا يجوز نقل الصدقة إلى أهل الفيء وإن جهدوا ولا نقل الفيء إلى أهل الصدقات وإن جهدوا، ويقسم كل واحد من الحالين في أهله؛ لأن الله تعالى سمى لكل مال مالكاً فلم يجز أن يعدل به عنه لما فيه من إبطال النص، ولأنه لما لم يجز أن يعدل بالغنيمة عمن سماه الله تعالى فيها انقيادا لحكم النص، وإن كان غيرهم أشد ضرورة وأمس حاجة لم يجز في مال الفيء والصدقات أن يعال به عن حكم النص، ولأنه لما كانت عطايا الآدميين من الوصايا لا يجوز أن يعدل بها عمن سميت له فعطايا الله تعالى أولى؛ ولأنه لما لم يجز أن يعدل بالمواريث عمن سماه الله تعالى إلى من هو آثر وأحوج، فكذلك مال الفيء والصدقات؛ ولأن عمر رضي الله عنه كان يسم إبل الصدقة ميسم وإبل الجزية ميسم فلولا تميز المستحق لكل واحد من المثالين لما ميز بالميسم.
فإن قيل: فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحمل على إبل كثيرة من إبل الصدقة إلى الشام والعراق، فدل على جواز دفع الصدقة إلى أهل الفيء.
قال الشافعي جواباً عن هذا: إن عمر إنما كان يحمل على إبل الجزية لا على إبل الصدقة، لأن أكثر فرائض الإبل في الصدقات لا يحمل عليه، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان ليبعث إليه بنعم الجزية فيبعث بها فيبتاع بها إبلاً يحمل عليها.
مسالة (١)
قال الشافعي: "وقالوا والركاز سبيل الصدقات ورووا ما روينا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -