يتركان ويمنع صاحب البناء من الانتفاع بالأرض وصاحب الأرض من الانتفاع بالبناء، فإن أراد أحدهما: دخول الأرض لتعهد ماله نظر، فإن أراد المعير أن يدخلها كان ذلك له، وان كان مستظلاً بغرسه وبنائه وان أراد المستعير دخولها لتعهد بنائه أو غراسه فيه وجهان:
أحدهما: ليس له ذلك لأن التطرق ضربٌ من التصرف واستحقاق الترك لا يوجب التصرف فيها بعد الرجوع في العارية.
والثاني: له ذلك وهو المذهب واختاره ابن أبي هريرة ويجبر المعير على تمكينه لأن الإذن بالغرس والبناء إذن به وبمنافعه ولا يجوز أن يمنع من مراعاة ملكه وليس له دخولها من غير حاجة، ولو أراد المستعير بيع غرسه وبنائه فإن باعه من المعير جاز، وإن أراد بيعه من غيره فيه وجهان: أحدهما: يجوز وهو المذهب وليس للمعير أن يأخذ المشتري بالقلع كما لم يكن له أن يأخذ به المستعير وهذا لأنه ملكه وأكثر ما فيه أن غيره يملك إسقاط حقه منه وإزالة ملكه [١٢/أ] ولا يمنع هذا صحة البيع كما لو اشترى شقصاً مشفوعاً فللمشتري بيعه، وإن كان الشفيع يملك إزالة ملكه عنه، والثاني: لا يجوز لأن المشتري غير مستعير وترك ما اشتراه غير مستديم لأن المعير متى بذل القيمة استحق بها أخذ الغرس أو قلعه وهذان الوجهان من اختلافهم هل يجوز له أن يعير ولأنه ممنوع من دخوله في أحد الوجهين فإذا باعه لا يمكنه تسليمه، وإن كانت العارية مؤقتة فالحكم على ما ذكرنا في المطلقة إذا شرط القلع بعد انقضاء المدة لو لم يشترط.
وقال المزني: إذا انقضت المدة له مطالبته بقلعه من غير قيمة وحكاه الساجي عن الشافعي ذكره القاضي أبو عليّ الزجاجي رحمه الله. وقال أيضاً: لو وقّت له وقتاً ثم اختلفا فقال رب الأرض: انقضت المدة، وقال الباني: لم تنقض المدة فالقول قول رب الأرض مع يمينه، وهذا غير صحيح لأن البناء حيث يُبنى إنما يبنى للتأبيد وقول المعير: إلى وقت كذا يتردد بين احتمالات منها أن يكون إلى ذلك الوقت بغير أجر المثل ومنها هذا الوقت بأجر المثل ومنها أن يرضى بعد ذلك الوقت بالنقض والنقل ويرضى بنقل الملك إلى رب الأرض على شرط القيمة فلما احتمل لفظه هذه المعاني لم يجبره على القلع ومخالفة عادة التأبيد إلا بأن يكون له حق على رب الأرض، ولو كانت العارية مؤقتة ثم أراد ربّ الأرض إخراجه عنها قبل انقضاء الوقت كان له ولا يستحب ذلك ونعني بالإخراج الإخراج بشرط القيمة على ما ذكرنا.
واعلم أن المزني أخل بالنقل ها هنا لأنه نقل هذا الفصل في العارية المطلقة فقال: وإذا أعاره بقعة يُبنى فيها بناء ثم ألحق العارية المؤقتة بالمطلقة حيث قال: ولو وقت له وقتاً ثم غلط فعطف على المؤقتة العارية المطلقة التي سبق ذكرها في أول الفصل فقال: وكذلك لو أذن له في البناء مطلقاً وهو عن هذا العطف مستغنى لأن أول الفصل كان في العاوية [١٢/ب] المطلقة. وبالله التوفيق.